في مقالاتٍ سابقةٍ كتبت عن كرة القدم التي لم تعد مُجرّد لعبة، ولا حتى مُجرد وسيلة تسلية وترفيه، يستغلّها الساسة لإلهاء الناس، يُمارسها ما يُقارب 250 مليون لاعب في مئتي دولة، ويُتابعها ما يُقارب أربعة مليارات من البشر، بل تعدّت كونها صناعةً واستثمارًا لتُصبحَ من أكثر النشاطات التي تُنتج الثروة وتُدرّ الأرباح على الهيئات الكُروية والأندية واللاعبين، حسب تقديرات مؤسسات رياضية مُختصة قدّرت حجم إيرادات سوق الانتقالات للعشر سنوات الماضية بمبلغ 75 مليار دولار حصلت عليها الأندية، دون الحديث عن استثمارات المالكين والمُساهمين والمُعلنين والمُموِّلين.
الأرقامُ الرسميّةُ لإيرادات أندية كرة القدم للموسم الماضي كشفت أن ريال مدريد كان صاحب أعلى مدخول في سوق الانتقالات فقط، بواقع 831 مليون يورو، متبوعًا بنادي مانشستر سيتي بـ 826 مليونًا، تلاه باريس سان جيرمان الفرنسي بـ 802 مليون يورو، وبعدها يأتي برشلونة، مانشستر يونايتد، البايرن، ليفربول، توتنهام، تشيلسي وأرسنال، بواقع 6 أندية من أصل عشرة تُساهم في الاقتصاد البريطاني بنحو 7 مليارات جنيه إسترليني بشكل مُباشر، دون الحديث عن المُساهمات غير المُباشرة المُرتبطة بآلاف المناصب من العمل التي توفّرها كرة القدم.
إنجلترا تبقى صاحبة أعلى نسبة إيرادات في مجال الانتقالات بـ 37% من الحجم الإجمالي متبوعة بإيطاليا وفرنسا وإسبانيا وألمانيا، لذلك تُصنّف دورياتها في خانة الخمسة الكُبرى في أوروبا بالنظر لمداخيلها قبل مُستواها الفني، لكن تبقى أندية الدوري الإنجليزي، أكبر الأندية شراءً وبيعًا، داخل إنجلترا وخارجها، وأكبر سوق لكل أندية العالم، تحول إلى قِبلة المواهب والنجوم، ومنه ينطلقون نحو التألق في مُختلِف الدوريات الأوروبية، على غرار جود بيلينجهام الذي انتقل من بيرمنغهام سيتي إلى بوروسيا دورتموند وعمره 17 سنة مُقابل 25 مليون يورو، قبل أن يخطفه الريال عندما بلغ سن العشرين مُقابل 113 مليون يورو، قبل أن تصل قيمته السوقيّة 180 مليونًا اليوم.
إيرادات سوق انتقالات اللاعبين بين 2014 و2023 كانت هي العُليا والكُبرى في التاريخ، رغم أنها لم تكن مصدر الدخل الوحيد للأندية التي فاقت القيمة السوقية لبعضها خمسة مليارات دولار، وهي أعلى قيمة من شركات عالمية كبيرة في مجالات أخرى، ما يؤكد أن الأمر لا يتعلق بمُجرد لعبة، ولا حتى مُجرد صناعة كما توصف أحيانًا، ولا حتى تجارة فقط يتم الاستثمار فيها كغيرها من النشاطات التِجارية الأخرى، لذلك يتهافت المُستثمرون وأصحاب المال على شراء الأندية أو حتى بعض أسهمها، إدراكًا منهم بأن الأمر يتعلق بسوق كبير ومال وفير.
أما دخول السعودية كلاعب فاعل في سوق الانتقالات منذ بداية الموسم الجاري، فقد رفع حجم مداخيل الأندية الأوروبية بشكل لافت، يفوق بكثير ما حدث مع أمريكا، الصين، اليابان، أوكرانيا وروسيا، في وقت ما، ويزيد من حجم الأموال المُتداولة خلال العشرية القادمة، على أمل أن تصلَ 100 مليار دولار، بمُعدّل 10 مليارات كل موسم.