تعد ظروف المُجتمع والبيئة المُحيطة هي المُحرّك الأساسي في إنشاء وتعديل النصوص القانونية، ولهذا تنشأ الدِّيمُقرَاطِيَّة في الدول على مبدأ الفصل بين السُّلطَات، ما يقتضي بدوره توزيع السُّلْطَة على هيئات مُتعددة في الدَّولَة، والسُّلطَات المعنيَّة في هذا الأمر (السُّلْطَة التَّشْرِيعِيَّة، والسُّلْطَة التَّنفِيذِيَّة، والسُّلْطَة القَضَائِيَّة) أي هي السُّلْطَة التي تقوم على صنع القَانُون، والسُّلْطَة التي تعمل على مُتابعة نفاذ القانون المَعمول به، وأيضًا هي السُّلْطَة التي تبتُّ في الخلافات الناشئة عن تطبيق أحكامه، وهذا ما يجعل كل سلطة في الدَّولَة تُمارس اختصاصات وصلاحيات مُعينة، ويكون هذا الفصل من أجل حماية الحريات وعدم استبداد سلطة على حساب سلطة أخرى، وهذا ما يجعل النُّظُم السِّيَاسِيَّة الحديثة تشهد تراجعًا كبيرًا، ما أدى إلى هيمنة السُّلْطَة التَّنفِيذِيَّة وتدخلها في المجال التَّشْرِيعِيّ، وهذا يتضح من خلال الأدوات التَّشْرِيعِيَّة المحجوزة للقانون واللَّوَائِح الإدارية المعمول بها في المنظمات الخدمية.
التَّشْرِيع يمرُّ بالعديد من المراحل ليصبح نافذًا، فيبدأ أولًا بمرحلة الاقْتِرَاح وتليها المناقشة والتصويت وبعدها ينتقل إلى مرحلة التصديق أو الاعتراض، التي تُعد من صميم اختصاصات السُّلْطَة التَّشْرِيعِيَّة، إلا أنه مع قوة نفوذ السُّلْطَة التَّنفِيذِيَّة يتضح لنا طبقًا للتدرج الهرمي للقاعدة القانونية كونها هي الجهة المعنية بتنفيذ القَوَانين العَادِيَّة، ولأنها الأقرب والأكثر صلة بالجمهور والواقع، فهي على معرفة تامة بالتفاصيل اللازمة لوضع المبادئ العَامَّة على شكل لائحة تنفيذية، وتُسمى أحيانًا باللَّوَائِح التكميلية التي يتم من خلالها تنفيذ القَوَانِين بقصد تيسير تطبيقها وتفصيلها بشكل أوضح، وهذا ما يُعطي الحق للسلطة التنفيذية بالتدخل في ممارسة التَّشْريع بالشكل الكامل من خلال وضع اللوائح الإدارية، وبالرغم من ذلك نجد في الغالب أن اللوائح الإدارية غامضة أو ناقصة، لكونها تخضع للمِزاج الإداري، والتي تتطلب في غالب الأمر التدخل بشكل قانوني للمراجعة والتأويل أو التفسير من مبدأ تطبيق العدالة في الإجراءات المُتبعة وَفقًا لتطبيق معايير الرقابة والشفافية.
خلاصة جل ما تمّ طرحه: الواقع الإداري يستدعي من المُشرّع، إجراءات ومُراجعات وتعديلًا مُستمرًا على اللَّوَائِح التَّنفِيذِيَّة الصادرة من السُّلْطَة التَّنفِيذِيَّة كونها هي السلطة الأكثر اتصالًا بالجمهور بصورة مُستدامة، وهي السلطة المعنية بالتفاصيل اللازمة لتنفيذ القَوَانين على أكمل وجه، لوضعها في محل التنفيذ والتطوير بشكل يُحقق المنفعة العامة، وهذا يحفظ الصفة القانونية لتشريع صادر لفترة طويلة من الزمن، مع إجراء التعديل على الضوابط التنفيذية وَفقًا للمُتغيرات الواقعة بالمُجتمع، بحيث يضمن لنا الاستقرار التَّشْرِيعِي.
خبير التنمية البشرية