الموسيقى التصويرية للمبدع “هانس زيمر”، تضرب خلايا المخ في هذا الفيلم بشحنة توتّر كابوسيّة، بالاعتماد على نغمات أشبه بدقّات الساعة، ولكن بوتيرة سريعة ومفزعة، ويقترن ذلك مع مشاهِد قاسية ومؤثرات صوتية قوية ودقيقة، بطريقة تجعلنا نشعر أن أعصابنا تتمزق.
أتحفنا الكاتب والمخرج “كريستوفر نولان” بأفلام خالدة في الذاكرة، وعاد هنا بفيلم مختلف ومبني على أحداث حقيقية، حول عملية إخلاء “دنكيرك” في الحرب العالمية الثانية.
في فيلم “دنكيرك” يقوم “كريستوفر نولان” بسرد قصته من 3 وجهات نظر مختلفة: البر والبحر والجو، وينسج خيوطه السردية الثلاثة معًا بسلاسة.
في البر، تُسرَد الأحداث في أسبوع واحد، وبطلها الشاب “تومي”، الذي يتنقل بين القنابل الساقطة ودمار الحرب إلى أن يتم إنقاذه. إنه لا يتحدث كثيرًا، ولا يجب عليه ذلك، كالفيلم تمامًا، فهو أقرب إلى أن يكون صامتًا، لأن الصورة تتكلم.
في البحر، تُسرَد الأحداث في يوم واحد، وتدور على يخت شراعي، مع قبطانه “داوسون”، وابنه المراهق وصديقه، وهم في طريقهم إلى “دنكيرك” لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وفي الجو، تُسرَد الأحداث في ساعة واحدة، مع جندي طيار يقاتل بطائرته الحربية طائرات الجيش الألماني لحماية جيشه منهم في الأرض.
الفيلم رائع ومدهش سمعيًّا وبصريًّا، و”كريستوفر نولان” هنا خاض تجربة مختلفة، وهي الأفضل من بين أفلامه من ناحية الإخراج. نال الفيلم 3 جوائز أوسكار لأفضل مونتاج وأفضل تحرير صوتي وأفضل مؤثرات صوتية، وترشح لنيل 5 جوائز أخرى لأفضل فيلم وأفضل إخراج وأفضل موسيقى تصويرية وأفضل تصوير وأفضل تصميم مواقع.
حين نصل إلى نهاية الفيلم، ما يخلد في الذهن ليس رسالته الملهمة أو بطولة جنوده، بل الصور الصغيرة التي تتراكم مثل التفاصيل في زاوية جدارية، أو مثل مشهد لجندي يسير في الأمواج حتى يلقى حتفه، أو مشهد لطائرة ألمانية تسقط في البحر بصمت رهيب مثل طائرة ورقية، أو أيضًا مشهد لجندي لا يعرف أيهما أهوَن: أن يغرق في عمق البحر، أو أن يخرج رأسه لتلتهمه النيران على سطح البحر. كل تلك الأمور هي علامات الفيلم السينمائي الراقي الذي ينتمي لأعلى مراتب الفن.
هذا الفيلم لا يملك بداية أو نهاية مناسبة أو شخصيات مساعدة أو حبكات فرعية أو ما شابه ذلك. إنه فيلم يُروى من المنتصف، ويتمدد من الداخل إلى الخارج، حتى يصل إلى مشهد هائل يصاب بالتخمة، فينفجر.