رغم تنوّع النظريات واختلافها فإنها لم تستطع قول الكلمة الفصل في عالم الأحلام، وبقي هذا العالم خاضعًا للتأويلات المُختلِفة المُتعدّدة، ويحدث الحُلْم حين تُغادر الروح الجسد وتهيم في عالم الأحلام إلى أن يستيقظَ الحالم، فعلى الرغم من أن الجسم يكون في حالة استلقاء على السرير، فإن الإنسان يمضي في منامه في رِحلات سياحة أو عمل، ويلتقي أشخاصًا لم يلتقِ بهم من قبل، ويتناول طعام الغداء وهو يستمع إلى الموسيقى، ويستمتع بنكهة طعامه، ويتحمس لما يقع من أحداث، ويفرح، ويحزن، ويخاف، ويتعب. ورغم أن جسد الإنسان يكون مُستلقيًا بلا حَراكٍ، وتكون عيناه مُغمضتين فإنه يرى صورًا مُتعدّدةً في أماكن يراها في منامه، وفي غرفة قد تكون خاليةً، فإنه يسمع أصواتًا، ما يعني أن العينين لم تُبصرا، وأن الأذنين لم تسمعا، فكل شيء حدث في ذهنه، ومع ذلك كان كل شيء يبدو واقعيًا، وكأن كل هذه الانطباعات الذهنيّة لها شكل أصيل.
سيغموند فرويد، الذي درسنا أغلب نظرياته في علم النفس، ويعتبر مؤسس التحليل النفسي، أول من تحدث عن تفسير الأحلام وربطها بعلم النفس، ألف فرويد كتابًا مشهورًا في هذا الأمر وهو كتاب «تفسير الأحلام».
إن الإنسان في أحلامه يكون واثقًا من الأحداث ومن الناس وكأنه في حالة اليقظة، ولو أن أحدهم قال له: «إنه يحْلُم» لما صدَّق ذلك، وعندما يُفكر الإنسان كم تبدو الأحلام التي يراها خلال نومه واقعية، وأنها لا تختلف عن لحظات اليقظة، ولكن دماغ الإنسان لا يستطيع أن يولّدَ هذه الصور من تلقاء نفسه، فالدماغ عبارة عن كتلة من اللحم مُكوّنة من جزئيات بروتينية، ولا يمكن أن نتخيلَ أن هذه المادة تستطيع تشكيل الصور بنفسها، أو تشكيل وجوه بشرية وأماكن وأصوات لم نرها أو نسمعها من قبل. فمن إذن يُرينا هذه الصور في أحلامنا خلال فترة النوم؟ وما الذي يُشكّل مثل هذه الصور التي لا أصل لها في العالم الخارجي، فالإنسان لا يستطيع أن يُشكّلها خلال نومه عن وعي وقصد.
من يتفكّر في مثل هذه الأسئلة سوف يرى الحقيقة الواضحة، وهي أن الله تعالى هو الذي يجعل الناس ينامون فيتوفى أنفسهم، ثم يُعيدها إليهم عندما يستيقظون، ويُريهم الأحلام خلال نومهم، ومن يعلم أن الله هو الذي يُرينا الأحلام، فإنه يتفكر أيضًا بالغايات والأسباب الكامنة وراء هذه الأحلام، ففي أحلام الإنسان وهو نائم، يكون الإنسان واثقًا من الناس وما يمرّ به من أحداث وكأنه في حالة اليقظة، ولو أن أحدهم قال لنا: «إنكم تحْلُمون الآن، استيقظوا..» لما صدّقناه! وبذلك يُدرك الإنسان المُسلم أن هذه الحياة فانية، وأنها شبيهة بالحُلْم، وأنه كما نستيقظ من أحلامنا الآن، فإننا يومًا ما سنستيقظ من هذه الحياة لنرى مشاهد مُختلفة تمامًا.. هي مشاهد الآخرة.