بقلم/ سامي كمال الدين:
اختارَ سعد القرش في روايته «المايسترو» قاربًا لتدور فيه ومن خلاله أحداثُ الرواية الصادرة عن دار العين للنشر، وهي الرواية السادسة للكاتب بعد رواياته: حديث الجنود، باب السفينة، ثلاثية أوزير، أول النهار، الحاصلة على المركز الأول في جائزة الطيب صالح. أما وقت الرواية فهو من غروب الشمس إلى مُنتصف الليل.
على الرغم من أن المكان في الرواية محدود لكنه يتحرّك ليجمع شخصياته وقضاياه في مكان واحد، يجمع شخصيات الرواية الرئيسية الأربع: «أنيل» الفتى الهندي، و»تسو» المولود في قبائل التبت في آسيا الوسطى، ونواف السيد الذين يعملون عنده، حيث يصنع أنيل قاربًا في البداية لتسلية ابن نواف.
أما الشخصية الرابعة فهي لمُحامٍ مصري يُدافع عن المظلومين في المحاكم وينحاز إلى الحق والعدل، يرفض الترافع في قضايا لا تخدم أهدافه، الذي يتعرف بعد ذلك على «لورا» الأستاذة الأمريكية المنبهرة بالحضارة المصريّة القديمة ثم يلتقيان في مصر ويتزوجان، ومن خلال لورا يعود سعد القرش إلى الحديث عن الفراعنة وحضارتهم كما حدث في عددٍ من رواياته قبل ذلك.
الاغتراب تيمة رئيسية في الرواية، حيث تعاني شخصيات الرواية الأربع من الشوق والحنين والحُلم باليوم الذي يستقرّون فيه في أوطانهم، «تسو» مثلًا الذي لم يرَ هَضْبَة التبت قبل ذلك ولا سافر إليها يحلُم باليوم الذي يعود فيه إليها فهو يعتبرها وطنه، بل وطن أحلامه المُستقبليّة وأمنياته التي يتمنّى تحقيقها، وكذلك «مصطفى» المُحامي الذي يُريد العودة إلى مصر والاستقرار فيها، وأنيل المولود خارج وطنه، الذي يعمل مع والده لدى السيد نواف يُفكّر في الوطن والعودة إليه، وطن لم يره ولم يُسافر إليه بل وُلد خارجه لكنه يراها أرض الأجداد، وهنا يدخل السارد في تعليلات مُتعدّدة لمعنى الوطن، فما هو الوطن، المُكتسب بالميلاد أم بالوظيفة، بالأرض التي تُعطي وتمنح فترد إليها العطاء أم بالأرض التي ترفضك وتُهينك، هل الوطن هو المكان الذي يمنحك الأمان والدفء والكرامة والاستقرار، لكن هذا سؤال يردّنا إلى الأمومة، لمن ينتمي الطفل إلى أم ولدته أم إلى سيدة أخرى ربته وعاش في كنفها، هل ينقطع الحبل السري بين أم وابنها بعد أن ربته أخرى.
في الرواية العديدُ من القضايا الفكريّة الكبيرة التي نوقشت على مر السنين ولم تجد إجابات شافية قاطعة، وفيها ما فعله الإغريق في الحضارة المصرية القديمة عندما غزا الإسكندر مصر مُصطحبًا معه أرسطو، حيث استولوا على علوم الكهنة وفلسفتهم وإرثهم الفكري.
بنية الرواية تتداخل فيها الأصوات وعوالم الحكي مثل ألف ليلة وليلة، لتنسج قصة حب على القارب لكن في المدى الأبعد والأكبر وليس في القارب ذاته.
كما تواجه الرواية العنصرية التي تمحو الآخر وتتعامل معه بلا إنسانية، التي يقوم بها البعض، وهي تجرِبة ليست في عمومها، فليس كل الأثرياء عنصريين، وليس كل العنصريين أثرياء، لذا سعى القرش إلى تفكيك العنصرية عبر صبّ تركيزه على الشخصيات التي تُعاني من هذه العنصرية، لكننا في النهاية أمام قالب روائي مُحكم وسرد مُدهش.
تتداخل عوالم الرواية كاشفةً عن ثقافة عميقة لمؤلفها من الحضارة المصرية القديمة إلى الفلسفة والقضايا الجدلية عبر التاريخ لتُضيف إلى أعماله السابقة عملًا مُتميزًا جديدًا.
إعلامي مصري