قضايا وأحداث …. غزة والمقاومة حقيقة يتجاهلُها العالم
تسبَّبت المجازرُ والإبادةُ الجماعية التي تواصلُ قواتُ الاحتلالِ الإسرائيليّ القيامَ بها بوحشيّة غير مسبوقة منذ أكثر من 170 يومًا في غزّة في فقْد ما يقرب من 50,000 فلسطينيّ حياتهم في غزّة، بمن فيهم الذين ما زالوا تحت الأنقاض أو المفقودون. إلى جانب إصابة ما يقرب من 80,000 شخص، وتدمير 85% من المنازل تدميرًا كاملًا أو جزئيًّا.
وفي هذه الأيَّام المباركة من شهر رمضان بما فيه من عبادات وهِبات، يأتي العدوان الإسرائيلي عدوانًا على جميع المسلمين. وهنا نؤكد على رفض اتهام حماس بقِصَر النظر حين خططت وبدأت عملية «طوفان الأقصى» التي كانت وراء كل هذه الأحداث والاعتداءات الإسرائيلية والمجازر غير المسبوقة. فحماس في مسارها تدرك معاني الصبر والمعاناة والشهادة والدار الآخرة. ورغم ذلك فإنَّ هناك من لا يعيشون هذه المعاني. ولذلك فمن الضروري التذكير بها مرارًا وتَكرارًا.
أي عالم، وأي مستقبل يتصوره المُسلمون؟!
يبدو الأمر كما لو أنَّ هناك من يحاول باستمرار إظهار ما يسمَّى بالرؤى السلميَّة والجماليَّة والحضارية للإسلام لكي يحب الناس الإسلام، ورغبة في تقديم نموذج جميل فريد من نوعه للعالم بأسره بتطوير المسار وتغيير الأهداف. وكأن العدوَّ والقوى الداعمة له لن تحاول صرفهم عن هذا المسار.
يشير كثيرون إلى تركيا، بموقعها كجسر بين القيم الشرقية والغربية، وخاصة بجذورِها الأكثر عقلانيَّة وتحضُّرًا، ليكشفوا للعالم حداثةَ الإسلام، بتقديم النسخة المُتوافقة مع العِلمانية والديمقراطية؛ ليحتضنها العالم المعاصر وكأنه ينتظرها منذ قرون. فالعديد من المُسلمين عندما يسمعون كلمة «النموذج التركي الإسلامي»، يسبحون في حُلم وردي بالنجاح. وفي هذا الحُلم، أعتقد أن الآخرين لديهم بعض الأحلام، بل والمخططات والمحاولات لتقويض ذلك النموذج.
وبالنسبة لتركيا، هل يمكننا مثلًا القول، إنه كان لديها أي بصيرة أو توقعات إيجابية في عملية «التطبيع» التي بدأتها مع إسرائيل حتى أحداث يوم السابع من أكتوبر 2023؟! أم كانت الرغبة في الظفر بشيء من مكاسب إسرائيل في حقول الغاز في البحر الأبيض المتوسط؟ أم أنَّها كانت محاولة لتحسين العلاقات التي لم تكن على ما يرام مع أمريكا وأوروبا؟! أم أن الدافع كان مجرد زيادة حجم التجارة؟! وهل كانت هناك أي تدابير أو احتياطات أمنية فيما يتعلّق بمخططات إسرائيل تجاه تركيا، بينما كانت العلاقات تتطور؟ فإسرائيل تعلن في كل المحافل صراحةً عن خططها التوسعية من النيل إلى الفرات. ألا يمكن تفسير الدعم الأمريكي غير المحدود لحزب العمال الكردستاني، بأنه في حد ذاته جزء من هذه المخططات؟
وبعبارة أخرى، في حين تفترض تركيا أن خططها المستقبلية هي المضي قُدمًا على طريق سريع لتصفير المشاكل بغية أن يكون كل شيء في مساره الطبيعي، ألَا يتعين عليها الحذر من الفخاخ التي يمكن نصبُها في ذلك المسار؟
وبالنسبة لحماس والواقع الفلسطيني، فإن الوضع في الواقع أكثر وضوحًا مما كان متوقَّعًا. فبدلًا من إلقاء اللوم عليها نتيجة المبادرة التي اتخذتها في السابع من أكتوبر، والتي قامت بها لأوَّل مرة في تاريخ المقاومة، فهل هناك من كان يستطيع أن يقدم لها وللفلسطينيين طريقًا أكثر فاعليَّة في مواجهة سياسة الاحتلال التي كانت تستهدف القضاء على حماس والمقاومة بأسرها؟ وما الأسلوب الذي كان سيمنع إسرائيل من تنفيذ استراتيجيتها في استكمال أنشطتها الاحتلالية؟
الحقيقة أنَّ حماس نظرت إلى الأمر من منظور واقعها الميداني، ولم تستطع أن تتخذ موقع الدول الإسلامية، ومنظورها التي تقرأ به التاريخ من الكتب فقط. فعند النظر من الداخل الفلسطيني، يتجلَّى أن الشيء الوحيد الواقعي هو أن إسرائيل تمارس الإبادة الجماعية للقضاء على حماس والفلسطينيين. لكن حماس بدلًا من انتظار نهايتها، أخذت زمام المبادرة وفضَّلت تحذير البشرية وإيقاظها من غفلتها ويأسها أمام العنف الإسرائيلي الذي صار وكأنه أمرٌ واقعٌ لا يمكن مواجهتُه أو تغييره.
وكان انطلاقُ حماس فيما فعلت من القرآن الكريم الذي ألهمها قراءة واقعها، وكشفَ لها أنَّ الحياة الحقيقيَّة هي الإيمان والجهاد، فالحياة التي وعد بها القرآن الكريم ليست الخالية من البلاء وقتال الأعداء والجهاد أو المقاومة والاستشهاد. بل على العكس من ذلك، فإن طريق تحقيق العبودية لله في هذا العالم هو النضال بالأموال والأرواح ضد الظلم والاستعباد والعدوان. وهذا هو ما دعانا الله ورسوله إلى إحيائه. وبطبيعة الحال، هذه حسابات مختلفة تمامًا، لا يفهمها إلا الذين ينظرون إليها بعقيدة إسلاميَّة خالصة.
أكاديمي وسياسي وكاتب تركي