يقول النبي «من حسن إسلام المرء تركُه ما لا يعنيه»، وهذا الحديث الذي رواه مالك وأحمد والترمذي وحسنه النووي من الكلام الجامع للمعاني الكثيرة في الألفاظ القليلة، وهو أصل عظيم من أصول الآداب. واللسان سلاح ذو حدين، إن شغله الإنسان فيما ينفعه وإلا شغله فيما يضره ولا بدَّ له من الكلام الحسن أو القبيح. فكن حارسًا للسانك ولا تتكلم إلا إذا ترجَّحت مصلحة الكلام وعلمت أن فيه فائدة لك أو لغيرك. وإلا فالزم السكوت فإن في السكوت سلامة والسلامة لا يعدلها شيء.

فهذا الحديث فيه الحثُّ على الورع والزهد فيما لا يحتاج إليه؛ حتى يسلم لك دينك، فمن حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، فالتَّدخل فيما لا يعنيه قد يُسبب مشاكل، فمن حُسن إسلام المرء، ومن حُسن إيمانه، ومن حُسن سيرته: عدم التَّدخل فيما لا يعنيه، فالإنسان إذا ابتعد عمَّا لا يعنيه، ولم يدخل في مشاكل الناس، ولا في سؤال فلانٍ وفلانٍ عمَّا لا يعنيه، فهذا هو من كمال إيمانه؛ لأنه قد يدخل في شيءٍ يضره، أو يُشوش على غيره، أو يُسبب فتنة.

بادر بالتوبة

عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ. أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وابْنُ مَاجَهْ، وسَنَدُهُ قَوِيٌّ.

والحديث الآخر: يقول : كل بني آدم خطَّاء، وخير الخطَّائين التَّوابون، هذا يدل على أن بني آدم ما فيهم أحد معصوم، كل بني آدم خطَّاء، وخير الخطَّائين التوابون، مَن بادر بالتوبة فهذا هو خير الخطَّائين، فما أحد يسلم، حتى الأنبياء في المسائل الصغيرة عند الجمهور، حتى الأنبياء قد تقع منهم بعض الأشياء في المسائل الصغار، وقال بعضُهم: لا يقع شيء؛ لقوله جلَّ وعلا: (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) المائدة:67، لكن ليست الآية واضحةً في هذا، والواقع يشهد بأنه قد تقع بعضُ الأشياء الصغيرة، وخير الخطَّائين التَّوابون.

وفي الحديث الآخر الذي يُروى عن النبي : الصمتُ حكمة، وقليل فاعله، صحَّح البيهقي رحمه الله أنه من قول لقمان الحكيم: «الصمت حكمة، وقليل فاعله»، ولا شكَّ أنه حكمة، ويدل على رزانة الرجل وثباته، والهذر يدل على ضعف العقل، وكثرة الكلام، والخوض فيما لا يعني يدل على ضعف العقل، وضعف الدين، فيكون الإنسانُ كثير الصمت، قليل الكلام، فهذا يدل على الثبات وقوة الإيمان.

ويقول : مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا، أو ليصمت، فالذي يحفظ لسانه ويصونه إلا من الخير؛ فهذا يدل على كمال العقل، وقوة الدِّين، ولا شكَّ أنَّ الحكمة مانعة رادعة عمَّا لا ينبغي، والصمت حكمة؛ لأنه رادعٌ عما لا ينبغي، يحول بين الإنسان وبين الأشياء التي قد تضرُّه، إلا فيما ينفع: (من حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) (مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا، أو ليصمت)، ويقول جلَّ وعلا: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أو مَعْرُوفٍ أو إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ) النساء:114.