الدوحة – الراية:
يُحاولُ المُجتمع القطري الإبقاءَ على عادات رمضان قديمًا وذلك رغم اندثار بعض تلك العادات، ولعلّ ما كان يُقدّمه المسحر في الماضي يعد من أروع ما يُمكن وصفه بكونه من فنون رمضان، حيث كان يعدّ التسحير أحد الفنون المُهمة في تاريخنا السمعي، سواء كان هذا التسحير يعتمد على الشكل الشفاهي التلقائي، أو ذلك الذي يحكمه نسق فني. ورغم أن أشكال التسحير تختلف من بلد إلى آخر. نجد أن المُسَحِّر في قطر من النماذج التي كانت حاضرةً على المُستوى الشفهي، وهو يعتمد على الارتجال في مناطق عديدة، وذلك حسب كل مسحر والمِنطقة التي يُنادي فيها، فالنداءات من مكان إلى آخر، حيث يُقدّمُ نوعًا من التحيات إلى أهل مِنطقته لجذبهم إليه، وخلق حالة روحية تنبع من الفرح العام بقدوم شهر رمضان.
ويعدُّ المسحر من أهم الطقوس التي اندثرت في الواقع برمضان، إلا أن ثمة جهودًا فردية أو مُتمثلة في مؤسسات تحرص على إحياء تلك العادة المُتوارثة، حيث تقديم ما كان يتم في الماضي بشكل تمثيلي على غرار مسحر الماضي، الذي كان يجوبُ في كل حي من الأحياء حاملًا الزبيلي (سلة)، تلك المصنوعة من سعف النخيل، وقد كان يطلقُ بعض الناس على المسحر في الماضي (بوطبيلة)، لأنه يحملُ طبلًا لإيقاظ الناس وقت السحور، وطَوال الشهر الكريم يخرجُ المسحر أو أبوطبيلة في كل ليلة مُنتصف الليل حتى قبل الفجر، يجوبُ الطرق ويُرافقه عدد من الشباب من أهل الحي، مُرددين أغاني مُتوارثة وأناشيد وابتهالات وأدعية دينية، ممزوجة بألحان شعبية مُتوارثة، تلك الأغنيات التي تمتد فيما بعد لتُشكلَ فنونًا جاءت من المسحر دون أن يكونَ لها مؤلف معروف، بينما نجد في المُقابل بعض الأناشيد والأغنيات بل والأشعار التي صنعت خصوصًا للمسحر، ومن أبرزها ما كان ينشده الفنان سيد مكاوي وما كتبه الشعر فؤاد حداد، علمًا بأن نموذج المسحر يختلفُ من بلدٍ لآخر، بحيث يقدّمُ كل منهم نموذجًا وحالةً تختلفُ في سياقها، ففي حالة المرتجل نجد إبداعات دون الرجوع إلى سند أو نص، فالمسحر هنا طارح النص ومؤلفه أحيانًا. وقد يعتمدُ نص التسحير في أغلبه على النداءات، إلا أن كل شخص يفعل ذلك بحسب قدراته وزمنه، فقديمًا كان يُمكننا أن نجد مسحرًا يستدعي رموز البطولات الشعبيّة من الذاكرة، ويُقدّم بعضهم ما يُعرف بالغناء أو أداء «الريستاتيف» مُستحضرًا شخصية ما ذات أثر كبير في حياة الناس.