قال ابن حبان: «البَشاشةُ إدامُ العلماء، وسجيةُ الحكماء؛ لأنَّ البشر يُطفئ نارَ المُعاندة، ويحرقُ هيجانَ المُباغضة، وفيه تحصين من الباغي، ومنجاة من الساعي».

التغافل من مكارم الأخلاق

التغاضي والتغافل:

التغاضي والتغافل من أخلاقِ الأكابر والعظماء، وهو مما يعينُ على استبقاءِ المودة واستجلابها، وعلى وأْد العداوةِ وإخلاد المُباغضة، ثم إنه دليلٌ على سمو النفس، وشفافيتها، وهو مما يرفعُ المنزلة، ويعلي المكانة.

والإنسان اجتماعي بطبعه، يألف ويؤلف، ومع كَم تلك العَلاقات التي قد تكون بعضها هبة من الله ونعمة، والتي يعد بعضها درسًا وابتلاءً وأذى، كلا بحسب طبيعته وتربيته، فقد خلق الله الناس من ماءٍ وطين، بعضهم غلب ماؤه طينَه فصار نهرًا، وبعضهم غلب طينُه ماءَه فصار حجرًا، والتي يكون الشخص حينها في حَيْرَةٍ من أمره كيف يتعامل مع تلك العَلاقات، سواء كانت ذات قَرابة أم لا، فكان هناك التغافل والتجاهل.

وقد بحثت عن إن كان هناك فرق بين التغافل والتجاهل أم هما سيان؟ ومن خلال بحثي وجدت أن هناك من يخلط بينهما، ويُعطيهما نفس المعنى، وهناك من يُفرّق بينهما، والذي لاحظته أن الفرق بينهما بسيط ودقيق، وهو أن:

التغافل: رسالة ودّ واحترام

أما التجاهل: فهو دلالة إهمال وازدراء.

فالتغافل لغة: تظاهر بالغفلة أو تعمَّدَها.

أما التجاهل: إِظْهَارُهُ عَدَمَ مَعْرِفَتِهِ وَهُوَ يَعْرِفُهُ.

وكلاهما يُعد من وسائل التواصل مع البشر، وهما فن لا بد من الإلمام به، فالتغافل: وسيلة لتنبيه الشخص أنني حريص على دوام عَلاقتي معه، وأنه يعني لي.

وقد قيل في التغافل: هو أن تغضَّ الطرف عن الهفوات، وألا تحصي السيئات، وأن تترفع عن الصغائر، ولا تُركِّز على اصطياد السلبيات، فهو فنٌ راقٍ لا يُتقنه إلا مُحترفو السعادة، وقد قالت العرب قديما:

لَيْسَ الْغَبِيُّ بِسَيِّدٍ فِي قَوْمِهِ … لكِنَّ سَيِّدَ قَوْمِهِ المُتَغَابِي (أَيْ المُتَغَافِل).

أما التجاهل: فهو انتقامٌ راقٍ وصدقة على فقراء الأدب.

وقد قيل: إن التغافل يكون من شخص لشخص مُحب، أو ذي قرابة، كأن يرتكب خطأ فنتغافل عن ذلك كأنه لم يفعله.

وأن التجاهل يكون مع من نصادفهم في حياتنا العابرة، ممن أساء وأخطأ، فنتجاهله كأنه لا يعني لنا هذا الشخص شيئًا.

والحقيقة أن كليهما يُستعمل كل بحسب حالته، كيف؟

بداية يجب أن نعلمَ أن التغافل يكون في حالة كان الخطأ الصادر عن هذا الشخص وخاصة من كانت له صلة قرابة معنا:

– أن يكون الخطأ نادرًا (فالنادر لا حكم له)، وهنا نتغافل.

– أن يكون فيما يمكن احتماله.

– أن يكون فيما لا يمكننا تغييره.

أما فيما لو كان ذلك الخطأ مُتكررًا، ولا يمكن احتماله، ونعلم أن هذا الشخص قادر على التغيير، هنا قبل أن نبدأ المرحلة الثانية وهي (التجاهل) فإن هناك مرحلة بينهما وهي: (البوح والتصريح) بمدى انزعاجنا من ذلك الشيء، فالتغافل يُعطيك فرصة لتتأكد من الدافع وراء تصرفهم معك، لا نخجل من ذلك، فقد يكون الشخص غير مُتعمد، أو لا يعلم أن فعله ذلك يُزعجنا، فإن انتهى، فبها ونعمت، وإلا كان التجاهل، فالتجاهل يمكن أن يُنقذك من كلام أو تصرفات تؤدّي إلى فشل عَلاقة، أو التمادي في الكلام، وعليه يكون التجاهل أفضل حل في ذلك الوقت.