المحليات
مكارم الأخلاق

الاحتساب من مكارم الأخلاق

احتساب الأجر عند الله عز وجل من أعظمِ ما يعين على اكتسابِ الأخلاق الفاضلة، فهو مما يعينُ على الصبر، والمجاهدة، وتحمل أذى النَّاس، فإذا أيقن المسلمُ أنَّ الله عزوجل سيَجزيه على حُسنِ خلقه ومجاهدته لنفسِه، فإنه سيحرصُ على اكتساب محاسن الأخلاق، وسيهون عليه ما يلقاه في ذلك السبيل.

والاحتسابُ هو مصطلح إسلامي، يُقصد به احتساب الأجر وثواب الأعمال الصالحة عند الله يوم الحساب حيث قال الله تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ ٥٩) التوبة:59.

فالاحتساب مرادفُ الإخلاص لوجه الله تعالى، لا فرق بينهما، فمن نوى بعمله نية صالحة فقد احتسبه عند الله تعالى، ولا يحتاج إلى مزيد استحضار قلبي.

أنواع الاحتساب وفق معانيه

الاعتداد بالشيء: مِنَ الْحَسْبِ، وَهُوَ الْعَدُّ. ومن ذلك المعنى يقال فلان احتسب ابنه عند الله، أي عده من الأمور المدخرة له يوم الحساب.

طلب الثواب: وقد استعمل الفقهاء هذين المعنيين كليهما، ولكن عند الإطلاق يذهب لمعنى الثواب. كما في الحديث: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر» احتسابًا أي ليس طلبًا لرياء أو لغيره.

ومنه الحسبة: اسم من الاحتساب، وهي أمر بالمعروف إذا ظهر تركه، ونهي عن المنكر إذا ظهر فعله. وذلك باحتساب الأجر عند الله تعالى في القيام بالأعمال الصالحة، ومنها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

فالمسبوق في الصلاة إذا أدرك ركعة مع الإمام احْتُسِبَتْ له ركعة، وإن لم يأت بالفرائض التي قبله، ومن دخل المسجد، فرأى الجماعة قائمة لصلاة الظهر فنوى تحية المسجد وصلاة الظهر ودخل معهم في صلاتهم، احتسبت له تحية مسجد وصلاة ظهر.

وكذلك تنازل المسلم عن حقه المترتب على الغير طلبًا لثواب الله تعالى، لا عجزًا، وكعتق الرقيق، احْتِسَابًا، ووضع السيد بعض مال الكتابة احْتِسَابًا والعفو عن القصاص دون مقابل احْتِسَابًا.

وكذلك دعوة الناس للإصلاح ونهيهم عن الإفساد طلبًا لثواب الله تعالى واحتسابًا للأجر.

ما ورد في الاحتساب

قول الله تعالى: (وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ١٠٤) النساء:104، اشتركوا في الألم وامتاز المؤمنون بالصبر والاحتساب للأجر والثواب

قال الله عز وجل: (وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ) يس:12. قال ابن عباس رضي الله عنه: كانت منازل الأنصار بعيدة من المسجد فأرادوا أن ينتقلوا إلى المسجد فنزلت: (وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ) يس:12، فقالوا: نثبت مكاننا.

قال النبي عليه السلام: «يا بني سلمة، ألا تحتسبون آثاركم». فحضهم على البقاء واحتساب الآثار، واستشعارهم النية والإخلاص لله تعالى، في مشيهم.

عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا قَتَادَةَ، يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَامَ فِيهِمْ فَذَكَرَ لَهُمْ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالْإِيمَانَ بِاللَّهِ مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ، فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُكَفِّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ، إِنْ قُتِلْتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ، ثُمَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَيْفَ قُلْتَ؟ قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُكَفِّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ، إِنْ قُتِلْتَ وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ، إِلَّا الدَّيْنَ، فَإِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لِي ذَلِكَ».

عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، قَالَ: «أَتَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ الْعَاصِ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ، وَكَانَ لَهُ بَيْتٌ قَدْ أَخْلاهُ لِلْحَدِيثِ، فَمُرَّ عَلَيْهِ بِكَبْشٍ، فَقَالَ لِصَاحِبِهِ: بِكَمْ أَخَذْتَهُ؟ قَالَ: بِاثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا، فَقُلْتُ: لَوْ كَانَتْ مَعِي اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا اشْتَرَيْتُ بِهَا كَبْشًا، فَضَحَّيْتُ بِهِ وَأَطْعَمْتُ عِيَالِي، فَلَمَّا قُمْتُ اتَّبَعَنِي رَسُولُ عُثْمَانَ بِصُرَّةٍ فِيهَا خَمْسُونَ دِرْهَمًا، فَمَا رَأَيْتُ دَرَاهِمَ قَطُّ كَانَتْ أَعْظَمَ بَرَكَةً مِنْهَا، أَعْطَانِي وَهُوَ لَهَا مُحْتَسِبٌ، وَأَنَا إِلَيْهَا مُحْتَاجٌ».

العلامات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X