أذكر أنني مع انطلاق معرض «إكسبو 2023» الدوحة للبستنة قبل ستة أشهر، كتبت مقالًا بعنوان: «الحلقة المفقودة في نهضتنا الزراعية»، وأشرت في ذلك المقال إلى أن نهضتنا الزراعية باتت تحتاج بصورة مُلحّة لمرجع بحثي وأكاديمي، ينظمها ويدعمها بالدراسات المُتخصصة في المجالات المُختلفة، لخدمة الثروة الزراعية، كون الدولة تأخرت كثيرًا في إنشاء كلية أو قسم للزراعة في قطر، سواء في الجامعة الوطنية أو مؤسسة قطر.

ومع إسدال الستار على معرض «إكسبو 2023» الدوحة للبستنة بعد «179» يومًا من الفعاليات البيئية والزراعية والتنوع التراثي والثقافي لدول وشعوب العالم، تمكنت بحمد الله وتوفيقه من تسجيل «أكاديمية مروج الزراعية للعلوم والتنمية»، التي ستوفر برامج تعليمية متخصصة في مجالات علوم النبات والحيوان والبيئة، تشمل دراسة الأراضي، وعلم البيئة، وتحليل البيانات الزراعية، بالإضافة إلى ورش العمل والدورات التدريبية، حول تقنيات التحسين الوراثي والتكنولوجيا الحيوية في الزراعة، وأيضًا برامج بحثية تهدف إلى تطوير تقنيات جديدة لتحسين إنتاجية المحاصيل والمواشي بطرق مستدامة، وكذلك مشاريع ميدانية لتطبيق المفاهيم والتقنيات العلمية في البيئة الزراعية الفعلية، كما تشمل برامج الأكاديمية إقامة ندوات ومؤتمرات، لتبادل المعرفة، وآخر التطورات في مجال العلوم الزراعية والتنمية الزراعية، إلى جانب تنظيم فعاليات توعوية للمجتمع، حول أهمية الزراعة المستدامة، والتنمية الريفية.

وتشير المعطيات إلى أن الاهتمام بالمحور العلمي في مجال الزراعة بات أمرًا ضروريًا، حيث يعزز العلم قيمة التطبيق، ومن ثم انطلاق عملية التنمية الزراعية، بجناحيها العلمي والعملي، لاسيما وأن الزراعة باتت من الحقول التكنولوجية الثرية بالتجارب والأبحاث الداعمة، كما أن مردود إنشاء كيان أكاديمي للزراعة في دولة قطر سوف ينعكس على المساحات الخضراء بشكل عام، والمردود الأهم هو الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الزراعية، وصولًا لتحقيق الأمن الغذائي، فوجود كوادر مؤهلة في هذا المجال سيكون مهمًا، وسيحقق إضافة وجودة عالية لمنتجاتنا لأن أبناءنا هم من سيتولون الإشراف على مزارعنا ومنتجاتنا الحيوانية، ومع تزايد عدد سكان العالم والطلب المتزايد على الغذاء المستدام والصحي، أصبح المجال الزراعي أكثر أهمية من أي وقت مضى، فمن خلال دراسة هذا التخصص يمكن للطلاب اكتساب فهم عميق للعمليات المتضمنة في إنتاج الغذاء، وكذلك التعرف على أحدث التقنيات والابتكارات في هذا المجال.

يوفر دراسة تخصص العلوم الزراعية لخريجيه مجموعة من الفرص الوظيفية المثيرة في مختلف الصناعات، ومع التركيز على الاستدامة والابتكار، يمكن لخريجي هذا التخصص المساهمة في قضايا عالمية مهمة مثل الأمن الغذائي والاستدامة البيئية، باعتبار أن الأسلوب الذي ننتهجه في زراعة احتياجاتنا الغذائية، له تأثير كبير على كوكب الأرض، ولذلك فإن الاهتمام بالجانب الأكاديمي هو مسعى لا يمكن فصله عن ابتكار طرق أكثر تناغمًا واستدامة لإنتاج الغذاء، من خلال الجمع بين الطرق التقليدية والتكنولوجيا الحديثة، ابتغاء الاستخدام المتوازن للموارد.

والله ولي التوفيق ،،،

 

أستاذ الهيدروجيولوجيا والبيئة بجامعة قطر

 

[email protected]