المنتدى

عرفت تواضعهم…!

بقلم/ سامي كمال الدين:

 «ولدي إليك بدل البالون ميت بالون

انفخ وطرقع فيه على كل لون

عساك تشوف بعينك مصير الرجال

المنفوخين في السترة والبنطلون»

هكذا لخص صلاح جاهين في رباعية العديد من البشر، طواويس تمشي على الأرض، «ولا تمشِ في الأرض مرحًا» تذكرت جلال أمين، الذي كنت أحرص على إقامة صالون ثقافي على شرفه في مكتبي، يأتي دائمًا في موعده المُحدد في تواضع وبساطة، يستمع إلى الرأي الآخر منصتًا على شفتيه ابتسامة، حتى وإن كان هذا الرأى يدينه شخصيًا.

سأله مرة الروائي سعيد نوح في الصالون الثقافي: لقد رأيت أن بهاء طاهر هو الوحيد الذي تقرأ له، وتجاهلت مثلًا خيرى شلبي وسعد مكاوي وتجربته الفريدة.. ؟!

استمع جلال أمين في صمت حتى انتهى سعيد نوح من كلامه، وعلق قائلًا:

-تخيل لو أن مكان جلال أمين واحدًا من إياهم، الحقيقة أنا لم أقرأ سعد مكاوي، وعمومًا أنا لست ناقدًا أدبيًا، لكنى متذوق أدب تستهويني الأعمال التي أجدها قريبة إلى قلبي…!

لم يدَّعِ جلال أمين أنه قرأ كل ما خطته يد البشرية من إبداع، ولم يُفْتِ مثل آخرين عن كتب لم يقرأها، بل قال «كنت في إحدى اللجان لاختيار رواية في مسابقة مهمة، واخترت كاتبًا جديدًا لكني وجدت الزملاء معى يقررون اختيار رواية كاتب مشهور، قلت لهم لكنى قرأت 150 صفحة من روايته ولم استطع أن أكملها حتى النهاية، قالوا لي أنه الأشهر والأجود».

تم الاختيار هنا لأجل الاسم، وجلال أمين يعدد لك عشرات الأسماء التي يدوي اسمها في الآذان مثل الطبل لكن لا أثر لها يذكر، ولا عمل بقيمة قصة قصيرة من قصص بهاء طاهر أو محمد المخزنجي أو خيري شلبي.

التواضع من شيمة العلماء، لم يكن يصدق الملوكُ أن هذا هو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب البشر إلى رب العالمين وأقربهم، من تواضعه وبساطة ملبسه وحياته، واتبعه مصعب بن عمير متخليًا عن كل أناقته وشياكته وعطوره المُعتقة، لاشيء يريده سوى الإسلام، ذلك لأن هؤلاء الناس كانوا يحملون قيمة حقيقية غير مُزيفة، ودعوة صادقة، لذا جاء التواضع مرتبطًا بالعلماء، فكلما زاد العلم والثقافة، زاد الإنسان تواضعًا وبساطة.

بساطة جلال أمين في ملبسه وعبوره الشارع حتى يصل إلى محطة مترو جمال عبد الناصر، في وسط القاهرة -حيث كان مكتبي- ذاهبًا من خلاله إلى بيته في المعادي، وهذا ليس من قلة مال، فالرجل كان يعمل رئيسًا لقسم الاقتصاد في الجامعة الأمريكية، لكنه يريد أن يتأمل.. أن يكتشف.. أن يكتب جزءًا جديدًا من كتابه «ماذا حدث للمصريين».. ربما.

علاء الديب كان أيضًا على شاكلة جلال أمين، التواضع الجَمّ، الحنو، الوقوف بجوار الأجيال الجديدة.

رجاء النقاش كذلك، يبهرك وهو يتحسس الخطى إليك، ويبحث عن طريقة لمساعدتك بأى شكل، يقف ضد كل البلدوزرات التي تحاول أن تئِد موهبتك.

نجيب محفوظ وكأنه لا يدري من هو، يقف على الباب يستقبلك، في المرة الأولى التي التقيته فيها وكنت طالبًا في الجامعة وقف يستقبلني بنفسه، وفي المرة الثانية بعد الجامعة استند على زوجته ليفتح لي الباب بنفسه، في المرة الثالثة كان دائم الإلحاح على أن أكل الشيكولاتة وأشرب عصير المانجو، وفي الحوار الساخن معه كان يضع وجهه في الأرض إذا عبَرَت في أسئلتي كلمةُ مجاملة له.

أعتقد أن تولستوي، برنارد شو، شكسبير، هيرودوت، لورانس، يوسا، بيرندلو، بيرل باك، همنغواي، كامو، نيرودا، كافكا، وماركيز كانوا أكثر تواضعًا من الذين جاءوا في بالك الآن، وأنت تردد: هل يتعظ الجالسون على الكراسي، أو حسب وصف الشاعر الشاب محمد البديوى «الجالسون على الفواصل» ويكفون عن وضاعتهم، ويكتفون بشيء من التواضع..!

إعلامي مصري

@samykamaleldeen

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X