مكارم الأخلاق.. المحبَّة من مكارم الأخلاق

أهمية المحبَّة :
قال الرَّاغبُ: (لو تحابَّ النَّاس، وتعاملوا بالمحبَّة لاستغنوا بها عن العدل، فقد قيل: العدل خليفة المحبَّة، يُستعمل حيث لا توجد المحبَّة، ولذلك عظَّم الله تعالى المنَّة بإيقاع المحبَّة بين أهل الملَّة، فقال عزَّ مِن قائل : « إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا « مريم: 96 أي : محبَّة في القلوب، تنبيهًا على أنَّ ذلك أجلب للعقائد، وهي أفضل من المهابة؛ لأنَّ المهابة تنفِّر، والمحبَّة تؤلِّف، وقد قيل: طاعة المحبَّة أفضل من طاعة الرَّهبة، لأنَّ طاعة المحبَّة من داخل، وطاعة الرَّهبة من خارج، وهي تزول بزوال سببها، وكلُّ قوم إذا تحابُّوا تواصلوا، وإذا تواصلوا تعاونوا، وإذا تعاونوا عملوا، وإذا عملوا عمَّروا، وإذا عمَّروا عمَّروا وبورك لهم.
المحبة في الكتاب والسنة:
أولًا : المحبة في القرآن الكريم:
– قال تعالى : « إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا « مريم: 96 .
(قال قتادة : ذكر لنا أنَّ كعبًا كان يقول : إنَّما تأتي المحبَّة من السَّماء.
قالَ : إنَّ اللَّه تبارك وتعالى إذا أحبَّ عبدًا قذف حبَّه في قلوب الملائكة، وقذفته الملائكة في قلوب النَّاس، وإذا أبغض عبدًا فمثل ذلك، لا يملكه بعضهم لبعض، رواه يحيى بن سلام في تفسيره.
وقالَ عليُّ بن أبي طلحة، عن ابن عبَّاس في قوله : « الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا « قال : حُبًّا، رواه الطبري في تفسيره.
– وقال جلَّ في علاه: « وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي « طه: 39.
قال الطبري: (عن عكرمة قالَ: حسنًا وملاحةً، قال أبو جعفر: والذي هو أولى بالصَّواب من القول في ذلك أن يقال : إنَّ اللَّه ألقى محبَّته على موسى، كما قالَ جلَّ ثناؤه: « وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي « فحبَّبه إلى آسية امرأة فرعون، حتَّى تبنَّته وغذَّته وربَّته، وإلى فرعون، حتَّى كفَّ عنه عاديته وشرَّه. وقد قيل : إنَّما قيل : وألقيت عليك محبّةً منِّي، لأنَّه حبَّبه إلى كلِّ من رآه) جامع البيان .
وقال أيضًا : (قال ابن عبَّاس: حبَّبتك إلى عبادي، وقال الصِّدائي: حبَّبتك إلى خلقي، وقال آخرون: بل معنى ذلك: أي حسَّنت خلقك) جامع البيان.
ثانيًا : المحبة في السُّنَّة النَّبويَّة :
– عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قالَ: (جاء رجل إلى النَّبي -عليه السلام- فقال : يا رسول اللَّه، كيف تقول في رجل أحبَّ قومًا، ولم يلحق بهم ؟ فقال النَّبي -صلى الله عليه وسلم-: المرء مع من أحبَّ)، رواه البخاري ومسلم.
قال ابن بطال: (فدلَّ هذا أنَّ من أحبَّ عبدًا في الله، فإنَّ الله جامع بينه وبينه في جنته ومُدخِله مُدخَله، وإن قصر عن عمله، وهذا معنى قوله: (ولم يلحق بهم) يعني في العمل والمنزلة، وبيان هذا المعنى أنه لما كان المحبُّ للصالحين وإنما أحبهم من أجل طاعتهم لله، وكانت المحبَّة عملًا من أعمال القلوب واعتقادًا لها، أثاب الله معتقد ذلك ثواب الصالحين؛ إذ النية هي الأصل، والعمل تابع لها، والله يؤتي فضله من يشاء)، شرح صحيح البخاري، لابن بطال.
وقالَ النوويّ: (فيه فضل حبِّ اللَّه ورسوله – صلى اللَّه عليه وسلم والصَّالحين – وأهل الخير الأحياء والأموات)، شرح النووي على صحيح مسلم.
– وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النَّبي – صلى الله عليه وسلم – (أنَّ رجلًا زار أخًا له في قرية أخرى، فأرصد الله له، على مدرجته، ملكًا فلمَّا أتى عليه، قال : أين تريد؟ قالَ: أريد أخًا لي في هذه القرية، قال : هل لك عليه من نعمة تربَّها ؟ قالَ: لا، غير أنِّي أحببته في الله -عزَّ وجلَّ-، قال : فإنِّي رسول الله إليك، بأنَّ الله قد أحبَّك كما أحببته فيه) رواه مسلم.
قالَ النوويّ: (في هذا الحديث فضل المحبَّة في اللَّه -تعالى- وأنَّها سبب لحبِّ اللَّه تعالى العبد) شرح النووي على صحيح مسلم.
وأيضًا فيه: (دليل على عظم فضل الحب في الله والتزاور فيه)، تطريز رياض الصالحين، لفيصل المبارك.
أ. د. محمود عبدالعزيز يوسف