اقتصاديات …. الاقتصاد الإسلامي فرص وتحديات

لا شكَّ أن تطبيق الاقتصاد الإسلاميّ كنظام مُتكامل منهجيًا وعقائديًا، ومُؤطّرًا لحياتنا الاقتصادية والاجتماعية على ضوء مبادئ الشريعة الإسلاميةِ، التي تتضمن العدالة الاجتماعيّة وتشجيع المُخاطرة المشتركة، والتكافل الاجتماعيّ، والشفافية، والأمانة والإتقان في العمل (عبر إدارة نزيهة، واحترافيّة مهنية عالية)، وتحريم الرّبا، ومنع الاحتكار والفساد والمضاربة غير العادلة، ثم إلزامية الزكاة، وتحفيز الصدقات، وتشجيع أعمال التعاون الاجتماعي ذات المردود الاقتصادي والمجتمعي، سويًا،
كل ذلك سيُواجه بعددٍ من التحديات الداخلية والخارجية، سواء على الصّعيد العملي، أو التنظيمي أو الدولي؛ لأنَّه عمليًا، تطبيق نموذج اقتصادي إسلامي كامل سيتطلب، حتمًا، تغييرات جذرية في النظم المالية والمحاسبيّة والتّجارية المتبعة حاليًا. ما قد يؤدي إلى عقبات تنفيذية كبيرة بحكم الفروقات الثقافية والتباين في النظم الاقتصادية ما بين الدول المُختلفة. أمَّا تنظيميًا، فإنّ عملية التحول إلى الاقتصاد الإسلامي، ستستدعي إعادة هيكلة الأنظمة التشريعية وحُزمة القوانين واللوائح الإدارية التنظيمية، وَفقًا لمنظور الشريعة الإسلامية ومبادئها. أما دوليًا وماليًا، في ظل نظام مالي عالمي مترابط بين قارات العالم ويعتمد كثيرًا على المعايير والممارسات غير الإسلاميَّة، فإن الاقتصاد الإسلامي، سيواجه بلا أدنى شكّ بتحدٍّ دولي كبير، وربما يقف عقبة كأْداء أمام تطبيقه.
ولكن على الجانب الآخر، هناك إمكانيّة كبيرة لحدوث جملة فرص حضارية إنسانيّة، ناهيك عن الفرص الاستثماريّة والتنمويّة والاقتصادية والاجتماعية والبيئية. فمثلًا- لا حصرًا- إلزامية دفع الزكاة السنوية، وتحريم الرّبا وتشجيع المُخاطرة المشتركة وتحقيق العدالة الاجتماعية (عبر تقليل الفجوة بين الفقراء والأغنياء على مستوى الدول والشعوب والأفراد)، وتحقيق النمو الاقتصادي المستدام، من خلال جذب المُستثمرين المحليين والأجانب عبر توفير فرص استثماريَّة مجزية، وتتوافق مع قيمهم الدينية والأخلاقيةِ.
من خلال تلك الأدوات الإنتاجية الفاعلة والأنشطة والبرامج ذات المرجعية الإسلامية، والنتائج الإيجابية لها، حتمًا، ستنعكس إيجابًا، وستقلل من حالة اللااستقرار الاقتصادي، وتَكرار التصدعات والتقلبات والظواهر الاقتصادية المزمنة في الاقتصاد الرأسمالي الحالي، كالبطالة والتضخم والركود التضخمي والعام، والكساد الكلي، وتدهور العُملة وانخفاض القوة الشرائية، ونقص الاحتياطيات من النقد الأجنبي، والذهب، والأصول المالية، وارتفاع الدين العام، وانخفاض قيمة الأصول، وتضعضع البورصات، وشحّ السيولة، وانخفاض أسعار السلع الاستراتيجية (نفط وغاز)عالميًا، ثم العجوزات المُتواصلة في الميزان التجاري، والحساب الجاري، وميزان المدفوعات، والموازنة العامة للدولة، وغيرها من التصدعات الاقتصادية الدورية التي نشهدُها بين الحين والآخر، في الدول الإسلامية النامية. لا شك أنَّ تطبيقَ منهج الاقتصاد الإسلامي كاملًا في الحياة الاقتصادية المعاصرة، ناهيك عن التحديات التي ذكرناها أعلاه، فإن النّجاح في هذا المسعى يعتمد جوهريًا على الإرادة السياسية الحرّة، والتخطيط الاستراتيجي، والتعاون الدولي، وتوافق الآراء في مجموعة دول المنظومة الإسلاميةِ، فيما لو كان المسعى تأطيره وتنفيذه في العالم الإسلامي فقط. أتمنَّى ألا يكون هذا الحُلم مُستحيلًا.
خبير اقتصادي