المحليات
من آفات اللسان

لا تشمت بالعاصي فقد يعافيه الله ويبتليك

الذي أخطأ أو وقع في المعصية بحاجة خاصّة أن نأخذ بيده لا أن نهيل عليه التراب، أو ندعو عليه باللعنة فنكون عونًا للشيطان عليه، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه- قال: (أُتيَ النبيُّ – صلى الله عليه وسلم- بسَكران، فأمر بضَربه، فمِنَّا مَن يضربه بيده، ومنَّا مَن يضربه بنعله، ومنَّا مَن يضربه بثوبه، فلمَّا انصرف، قال رجلٌ: ما له؟! أخزاه الله! فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: لا تكونوا عونَ الشَّيطان على أخيكم) رواه البخاري. وفي رواية لأبي داود وصححها الألباني، قال صلى الله عليه وسلم: (ولكن قولوا: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه). قال ابن حجر في فتح الباري: «ووجْه عَوْنهم الشيطان بذلك أن َّالشيطان يريد بتَزْيينه له المعصية أن يحصلَ له الخزي، فإذا دعوا عليه بالخزي، فكأنهم قد حصَّلوا مقصود الشيطان.. ويُستفاد من ذلك منع الدُّعاء على العاصي بالإبعاد عن رحمة الله».

قال ابن العربي في «أحكام القرآن»: «فأما العاصي المُعَيَّن فلا يجوز لعنه اتفاقًا، وجاء في السنة النبوية الصّحيحة عن النبي- صلى الله عليه وسلم- من اللعن بالأوصاف، كَلَعْن آكل الربا، ولعن المتشبهين للرجال من النساء، والنساء من الرجال، ولعن المحلِّل والمحلَّل له.. إلى غير ذلك مما جاء عنه صلى الله عليه وسلم من اللَّعن، كان لعْنًا بالوصف لا بالتعيين، فمن رأى شخصًا يفعل شيئًا من هذه الأفعال، لا يحل له أن يلعنه بعينه وشخصه، لأنه قد يتوب، وقد يكون قد قام فيه مانع من موانع حلول اللَّعنة عليه، وقد فرَّق العلماء بين اللعن بالتعميم واللعن بالتعيين، قال ابن تيمية: «وأما لعن الشخص المُعَيَّن فلا يجوز على الراجح إلا إذا عُلِم موته على الكفر، فابن أُبَي وأشباهه من الكفار الذين ماتوا على الكفر يجوز لعنهم، وأما الأحياء فلا نلعنهم؛ لأننا لا ندري ما يختم لهم به»، وقال النووي: «اتفق العلماء على تحريم اللعن، فإنه في اللغة الإبعاد والطرد، وفي الشرع الإبعاد من رحمة الله تعالى، فلا يجوز أن يبعد من رحمة الله تعالى من لا يُعرف حاله وخاتمة أمره معرفة قطعية، فلهذا قالوا لا يجوز لعن أحد بعينه مسلمًا كان أو كافرًا أو دابة إلا من علمنا بنص شرعي أنه مات على الكفر، أو يموت عليه كأبي جهل وإبليس، وأما اللعن بالوصف فليس بحرام كلعن الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة، وآكل الربا وموكله». وقال ابن حجر: «فالمُعَيَّن لا يجوز لعنه وإنْ كان فاسقًا» .

النهي عن لعن الحيوان:

من الرحمة بالحيوان في هدي نبينا -صلى الله عليه وسلم- أنه لا يجوز تعذيبه ولا تجويعه، أو تكليفه ما لا يطيق، بل وتحريم لعنه، فعن عمران بن الحصين -رضي الله عنه- قال: (بينما رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وامرأةٌ من الأنصار على ناقةٍ فضجرت، فلعنَتْها، فسمع ذلك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: خُذُوا ما عليها ودعوها، فإنها ملعونة) رواه مسلم، قال القاضي عياض: «وأمْر النبي- عليه الصلاة والسلام في هذه الناقة- بما أمر من أخذ ما عليها وإعرائها من أداتها، لأنها لعنتها صاحبتها: لِأمر أطلعه الله عليه فيها من لزوم اللعنة لها، أو لمعاقبة صاحبتها لنهيه من قبل عن اللعن».

وقال ابن الجوزي: «إن قيل: اللعنة البعد، وإنما يكون جزاء الذنب، والناقة غير مُكَلَّفة، فكيف تقع عليها لعنة؟ فالجواب من أربعة أوجه: أحدها: أن معنى وقوع اللعنة عليها خروجها من البركة واليُمْن، ودخولها في الشر والشؤم.. والثاني: أنه نهى عن ركوبها، لأن لاعِنَ الناقة ظلمها باللعن، فتخُوّف رجوع اللعنة عليه.. والثالث: أن دعوة اللاعن للناقة كانت مجابة، ولهذا قال: (إنها ملعونة). والرابع: أنه إنما فعل هذا عقوبة لصاحبها لئلا يعود إلى مثل ذلك، حكاهما الخطابي».

النهي عن لعن الريح أو لعن أي شيء:

لعْن الريح، أو لعن أي شيء لا يستحق اللعن إذا لم تصادف محلًا رجعت على صاحبها، فعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه-: (أنَّ رجلًا لعن الرِّيحَ، وفي لفظٍ: (إنَّ رجلًا نازعَتْه الريحُ رداءَه على عهدِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- فلعنها، فقال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: لا تلعنْها فإنها مأمورةٌ، وإنه مَنْ لعن شيئًا ليس له بأهلٍ رجعت الَّلعنة عليه) رواه أبو داود وصححه الألباني. الرِّيحُ مُسخَّرةٌ بأمْرِ الله – عزّ وجلّ-، وهي لا تسيرُ ولا تفعل شيئًا مِن تِلقاء نفسِها، ولكنْ ما تفعلُه  إمَّا بالرَّحمة أو بالنِّقمة  هو مِن أمرِ الله لها، فلا يصِحُّ لأحدٍ أنْ يلعنها فهي مأمورة بأمر الله.

العلامات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X