همسة ود.. منظر مهيب للمُصلين في الحرم المكي

في لقاءٍ مع قَسٍّ مسيحي سابق كان اسمه (بشوي داوود ملك سليمان) مُقيم في الحرم النبوي منذ بداية إعلان إسلامه عام 2001، القَسُّ السابقُ (مؤمن إبراهيم) الآن قال إنه لم يرَ في حياته منظرًا مهيبًا مليئًا بالروحانية والإيمان مثل منظر اجتماع ملايين المُصلّين في الحرم المكي، هذا المنظر الذي كان يشتاق إليه حتى عندما كان قَسًا، ففي وقت الصلاة تكون أعداد المُصلين بالملايين ولا توجد هناك همسة.
هذا الكلام قاله لي المُشرفُ على رسالتي للحصول على شهادة الدكتوراه البروفيسور جون مكلاود، الذي كان مُعجبًا أيضًا بخشوع المُصلين وصمتهم في مكة المُكرَّمة رغم كثرة أعدادهم، وفي عام 2009 حضر ليلة ختم القرآن الكريم بعد صلاة التراويح قُرابة الثلاثة ملايين مُسلم جاؤوا من أماكن مُختلِفة في العالم، وهو رقْمٌ مُرتفعٌ جاء عكس كل التقارير التي توقعت انخفاضًا ملحوظًا بسبب حالة الاستنفار العالميّة لمواجهة تفشي إنفلونزا الخنازير، لكن الذي حدث العكس تمامًا، حيث امتلأت في ليلة ختم القرآن ساحات الحرم النبوي الشريف الداخليّة والخارجيّة والأسطح والمِظلات، ويتزايد عدد المُصلين وتتضاعف الأعداد في العشر الأواخر من رمضان، حيث تزداد الأعداد حتى تصل إلى ذِروتها ليلة الثامن والعشرين، حيث يتم فيها ختم القرآن، وفي العام الماضي دخل تجمع القاصدين في الحرم المكي ذِروته، ويستشعر كل قاصد للحرم، والذي يُتابع النقل على شاشات التلفزيونات خلال شهر رمضان المُبارك، عظمةَ الزمان والمكان، فقد شهد المسجد الحرام خلال العشر الأواخر من شهر رمضان المُبارك أعلى نسبة كثافة للزائرين والمُصلين على مدار العام، إذ امتلأت الساحات الداخليّة والخارجيّة وسطح المسجد وممراته بالمُصلين أثناء صلاة القيام، ابتغاءً للأجر والقَبول والمغفرة من الله جلَّ وعلا، وتحريًا لليلة القدر.
ولا يستطيعُ المرءُ أن يُنكرَ الجهود الجبّارة لرجال الأمن من مُختلِف القطاعات في الحرمين الشريفين، فيؤدّي كل منهم دوره بكل أمانة، ويقومون بالترحيب بالزوّار ومُبادلتهم أصدق مشاعر المحبة والإنسانيّة، بحيث يستمتع كل مُراقب لتلك الخِدمات بالصور الإنسانيّة الرائعة لخدمة قاصدي بيت الله الحرام والمسجد النبوي الشريف من المُعتمرين والزائرين، فيؤدّي المُعتمرون والقاصدون صلواتهم في المسجد الحرام، وسط منظومةٍ من الخِدمات المُتكاملة التي وفرتها المنظومة الأمنيّة بالتنسيق الكامل مع الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، وانسيابية عالية في إدارة الحشود من المُصلين والمُعتمرين، ويتنافس المُتطوّعون في توفير وجبات الإفطار للصائمين والقادمين من جميع أنحاء العالم يجمعهم دين واحد وسُفْرَة واحدة في أجواء روحانية وسط هدوء وطُمأنينة، وسط منظومة خِدمات حكوميّة مُتكاملة وفرتها الدولة، وتعتبر سُفَرَ رمضان في الحرم المكي وساحاته عاداتٍ مُتوارثةً لدى أهالي مكة، جيلًا بعد جيلٍ، حيث يتسابق الصغار والكبار لتفطير الصائمين في سُفْرَة جماعية، تعتبر الطُولى في العالم تحت إشراف إمارة مِنطقة مكة المُكرَّمة وبتصاريح رسميّة لضمان الجودة والاطمئنان على سلامة الزوّار والمُعتمرين.