قالَ الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ) سورة الحجرات، آية 11. والسخرية هي الاستهانة والتحقير والتنبيه على العيوب والنقائص على وجه يُضحك منه. وقد يكون ذلك بالمُحاكاة في القول والفعل والإشارة والإيماء، ومرجع ذلك إلى استحقار الغير والضحك عليه والاستهانة به والاستصغار له، وعليه قوله: (عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ) أي لا تستحقر أحدًا استصغارًا له فلعله يكون خيرًا منك.

في هذه الآية الكريمة نهى الله عن ثلاثة أخلاق ذميمة:

  • نهى عن السخرية، وهي الاستهزاء بالآخرين أو التقليل من شأنهم وتحقيرهم، وهذا يُخالف الآداب الإسلامية.
  • ونهى عن اللمز، وهو الغمز بالوجه -مثلًا- أو تحريك الشفاه بما لا يفهم. قال الإمام ابن كثير (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ): تساوي، (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) الآية 29 في سورة النساء.
  • ونهى عن التنابز بالألقاب، وهو نهيٌ عام في كل لقب يكرهُ المُسلمُ أن يُنادى به. قال الإمام ابن كثير في قوله جلّ وعلا: (بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإيمَانِ): أي بئس الصفة والاسم الفسوق، وهو التنابز بالألقاب، كما كان أهل الجاهلية يتناعتون، فلا يجوز لمُسلم أن يستهزئ بأحد بأي وجه كان، وحسب من يفعل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (بحسبِ امرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم). رواه مسلم. ولا ريب أن أي إنسان عندما يُواجه بسخرية فإنه يغضب، ولكن هنا نقطة يجب أن تتنبه إليها، وهي: أن بعض الناس قد يقصد المزاح المشروع دون أن يقصد أن يسخر منك، ودون أن يعلم أن هذا المزاح يُغضبك، فينبغي أن تتفهم هذا، ولا تغضب من مزاح مقبول تتوافر فيه الضوابط الشرعية، والغضب من هذا المزاح قد يقطع جسورًا من التواصل بينك وبين إخوانك،

– عن ابنِ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه كان يجتَني سِواكًا من الأراكِ، وكان دقيقَ السَّاقينِ، فجعَلَتِ الرِّيحُ تَكْفَؤُه، فضَحِك القومُ منه! فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: مِمَّ تضحَكون؟ قالوا: يا نَبيَّ اللهِ، مِن دِقَّةِ ساقَيه! فقال: والذي نفسي بيَدِه، لهما أثقَلُ في الميزانِ من أُحُدٍ! .

– وعن أبي هُرَيرةَ قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لا تَحاسَدوا، ولا تَناجَشوا، ولا تَباغَضوا، ولا تَدابَروا، ولا يَبِعْ بَعضُكم على بَيعِ بَعضٍ، وكونوا عبادَ اللهِ إخوانًا، المُسلِمُ أخو المُسلِمِ، لا يَظلِمُه ولا يَخذُلُه، ولا يَحقِرُه، التَّقوى ها هنا – ويُشيرُ إلى صَدْرِه ثلاثَ مرَّاتٍ -، بحَسْبِ امرئٍ من الشَّرِّ أن يَحقِرَ أخاه المُسلِمَ، كُلُّ المُسلِمِ على المُسلِمِ حرامٌ: دَمُه، ومالُه، وعِرْضُه .

قوله: (بحَسْبِ امرئٍ من الشَّرِّ أن يَحقِرَ أخاه المُسلِمَ) يعني: يكفي المُؤمِنَ من الشَّرِّ أن يَحقِرَ أخاه المُسلِمَ، وهذا تعظيمٌ لاحتقارِ المُسلِمِ، وأنَّه شَرٌّ عظيمٌ، لو لم يأتِ الإنسانُ من الشَّرِّ إلَّا هذا لكان كافيًا؛ فلا تَحقِرَنَّ أخاك المُسلِم، لا في خِلقتِه، ولا في ثيابِه، ولا في كلامِه، ولا في خُلُقِه، ولا غيرِ ذلك، أخوك المُسلِمُ حَقُّه عليك عظيمٌ؛ فعليك أن تحتَرِمَه وأن تُوَقِّرَه، وأمَّا احتِقارُه فإنَّه مُحرَّمٌ، ولا يَحِلُّ لك أن تحتَقِرَه.