المحليات

مكارم الأخلاق.. نماذج في كَظْم الغَيْظ من حياة النَّبي صلى الله عليه وسلم

عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: كنت أمشي مع النَّبي صلى الله عليه وسلم وعليه بُردٌ نجرانيٌّ غليظ الحاشية، فأدركه أعرابيٌّ، فجذبه جذبةً شديدةً، حتى نظرت إلى صفحة عاتق النَّبي صلى الله عليه وسلم قد أثَّرت به حاشية الرِّداء من شدَّة جذبته، ثمَّ قال: مُرْ لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه، فضحك، ثمَّ أمر له بعطاء. رواه البخاري ومسلم .

قال النَّوويُّ : فيه احتمال الجاهلين، والإعراض عن مقابلتهم، ودفع السَّيئة بالحسنة، وإعطاء من يُتألَّف قلبه، والعفو عن مرتكب كبيرةٍ -لا حدَّ فيها- بجهله، وإباحة الضَّحك عند الأمور التي يُتعجَّب منها في العادة، وفيه كمال خُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم وحِلمِه وصفحِهِ الجميل. شرح النووي على مسلم.

عن عائشة رضي الله عنها،أنَّها قالت للنَّبي صلى الله عليه وسلم: هل أتَى عليكَ يومٌ كانَ أشدَّ مِن يومِ أحدٍ ؟ فقالَ: لقد لقيتُ مِن قومِكِ، وَكانَ أشدَّ ما لقيتُ منهُم يومَ العقبةِ إذ عرضتُ نفسي على ابنِ عبدِ ياليلَ بنِ عبدِ كلالٍ، فلَم يجبْني إلى ما أردتُ، فانطلقتُ وأَنا مَهْمومٌ علَى وجهي، فلَم أستفِقْ إلَّا وأَنا بقرنِ الثَّعالبِ، فرفعتُ رأسي، فإذا بسحابةٍ قد أظلَّتني، فنظرتُ فإذا فيها جبريلُ عليهِ السَّلامُ، فَناداني فقالَ: يا محمَّدُ، إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ، قد سمِعَ قولَ قومِكَ لَكَ، وما ردُّوا عليكَ، وقد بعثَ اللَّهُ ملَكَ الجبالِ لتأمرَهُ بما شئتَ فيهِم قالَ: فَناداني ملَكُ الجبالِ : فسلَّمَ عليَّ، ثمَّ قالَ: يا محمَّدُ : إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ قد سمِعَ قولَ قومِكَ لَكَ، وأَنا ملَكُ الجبالِ، وقد بعثَني ربُّكَ إليكَ لتأمرَني أمرَكَ، وبما شئتَ، إن شئتَ أن أُطْبِقَ عليهِمُ الأخشبَينِ فعلتُ، فقالَ لَهُ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ : بل أرجو أن يُخْرِجَ اللَّهُ مِن أصلابِهِم مَن يعبدُ اللَّهَ، لا يشرِكُ بِهِ شيئًا. رواه البخاري واللفظ له ومسلم.

قال ابن حجر: (وفي هذا الحديث: بيان شفقة النَّبي صلى الله عليه وسلم على قومه، ومزيد صبره وحلمه، وهو موافقٌ لقوله تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ) آل عمران: 159.نماذج في كَظْم الغَيْظ من حياة الصَّحابة رضي الله عنهم:

أبو بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه:

عن أبي برزة قال: (كنت عند أبي بكر رضي الله عنه، فتغيَّظ على رجلٍ، فاشتدَّ عليه، فقلت: تأذن لي يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أضرب عنقه؟ قال: فأذهبت كلمتي غضبه، فقام، فدخل، فأرسل إليَّ، فقال: ما الذي قلت آنفًا؟ قلت: ائذن لي أضرب عنقه، قال: أكنت فاعلًا لو أمرتك؟ قلت: نعم، قال: لا والله، ما كانت لبشر بعد محمد صلى الله عليه وسلم) صححه الألباني. قال أحمد بن حنبل: (أي لم يكن لأبي بكر أن يقتل رجلًا إلَّا بإحدى الثَّلاث التي قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم: كفرٌ بعد إيمان، أو زنا بعد إحصان، أو قتل نفس بغير نفس، وكان للنَّبي صلى الله عليه وسلم أن يقتل.

قلت: (وفيه دليل على أن التعزير ليس بواجب، وللإمام أن يعزِّر فيما يستحق به التأديب، وله أن يعفو فلا يفعل ذلك) الخطَّابي.

عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه:

عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما قال: (قدم عيينة بن حصن بن حذيفة، فنزل على ابن أخيه الحرِّ بن قيس، وكان من النَّفر الذين يُدنيهم عمر، وكان القُرَّاء أصحاب مجالس عمر ومشاورته، كُهولًا كانوا أو شبَّانًا، فقال عيينة لابن أخيه : يا ابن أخي، هل لك وجه عند هذا الأمير؟ فاستأذن لي عليه، قال: سأستأذن لك عليه، قال ابن عبَّاس: فاستأذن الحرُّ لعيينة، فأَذِن له عمر، فلمَّا دخل عليه قال: هِيْ يا ابن الخطَّاب! فوالله ما تعطينا الجَزْل، ولا تحكم بيننا بالعدل، فغَضِب عمر، حتى همَّ أن يوقع به، فقال له الحرُّ: يا أمير المؤمنين، إنَّ الله تعالى قال لنبيِّه صلى الله عليه وسلم: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) الأعراف: 199، وإنَّ هذا من الجاهلين، والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقَّافًا عند كتاب الله. رواه البخاري.

العلامات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X