بقلم/ رندة تقي الدين:

 رغم كل محاولات الحكومة الإسرائيلية منع إظهار الجرائم المروعة التي ترتكبها في غزة ومنها محاولة إيقاف عمل الجزيرة هناك ومنع عمل صحفييها الشجعان فإنها باءت بالفشل. فقد عرضت صحيفة لوموند الفرنسية العريقة تحقيقًا مفصلًا حول تدمير إسرائيل المستشفيات والمدارس وأماكن الصلاة منذ ٧ أكتوبر. ويكشف تقرير الصحيفة أن ٥٢٧ مبنى مدرسيًا وجامعيًا تم تدميرها أي ٦١ في المئة مما كانت تملكه غزة من مباني تعليم، وتستند لوموند أيضًا على معلومات الأمم المتحدة. أما بالنسبة لمراكز المستشفيات في وسط مدينة غزة فقد تم قصف مستشفى ناصر والرنتيسي ومستشفى للعيون حيث تم تدمير اثنين من المباني كليًا من عدد المباني الثمانية بالموقع. وقد تم تخريب أحدها وإصابة أربعة من مركز المستشفيات. عمومًا حسب التقرير من أصل مساحة ٣٦٠ كيلومترًا لقطاع غزة تم قصف ٩٢ مبنى مستشفيات من أصل ١٥١ كانت في القطاع قبل ٧ أكتوبر أي ٦١ في المئة من مستشفيات غزة.

يشير التقرير إلى تدمير إسرائيل ٣٦١ مبنى دينيًا منذ أكتوبر أي ٦٠ في المئة من مجموع الأماكن الدينية منها الجامع العمري الذي دمر كليًا هذا حسب تقرير لوموند التي تقول إن هذا جزء قليل من الدمار حيث إن دمار المنازل ومباني السكن والمتاجر كان أكبر بكثير. هذا وقد قتل أكثر من ٣٥٠٠٠ شخص من سكان غزة. كما قصفت القوات الإسرائيلية موكب وكالة المساعدات الإنسانية المطبخ المركزي العالمي وقتلت سبعة من موظفيها الذين يقدمون الغذاء للمتضررين من الحروب.

مؤسس وكالة المطبخ المركزي العالمي خوسي أندريس اتهم القوات الإسرائيلية باستهداف عمال الإغاثة بشكل ممنهج في حين ادعت إسرائيل أنه خطأ فادح. تجدر الإشارة إلى أن الرئيس الأمريكي جو بايدن قال إن المؤسس لهذه الوكالة صديقه وأنه يريد التحقيق في الموضوع. كشف أندريس أنه تم إبلاغ القوات الإسرائيلية قبل توجه الموكب أنه يدخل للإغاثة وكانت هناك علامات على سيارات الموكب تشير إلى أنه وكالة المطبخ العالمي وأن القصف الإسرائيلي قصد الموكب وليس خطأ. إن كل ما تفعله القوات الإسرائيلية هو من أجل التخلص من الشعب الفلسطيني إما بالقتل أو التجويع وطرده من أراضيه ومنازله دون أن تعرف إلى أين. فالحكومة الإسرائيلية قد تعتقد أن بإمكانها دفع نزوح أهل غزة إلى مصر والفلسطينيين من الأراضي الفلسطينية إلى المملكة الأردنية.

حرب إسرائيل في غزة قد تكون مخططًا لمثل هذا الهدف حتى أن بعض مراقبي ما تفعله إسرائيل أصبح يعتقد أنها كانت على علم بما ستقوم به حماس في ٧ أكتوبر وتركتهم يهجمون دون التدخل من أجل الحصول على ضوء أخضر عالمي لما تقوم به الآن. لكن الرأي العام العالمي في الغرب وجزء من اليهود الموجودين في أوروبا وأمريكا انقلب على حكومة نتنياهو وأصبحوا ينددون بما يقوم به.

حتى الرئيس الأمريكي جو بايدن استيقظ مؤخرًا بعد ثلاثة من الفيتو بمجلس الأمن لقرارات بوقف إطلاق النار واتصل بنتنياهو بعد مقتل موظفي المطبخ العالمي لطلب فتح معابر لإدخال المساعدات الإنسانية ولوقف إطلاق نار للإفراج عن الرهائن وأيضًا لإدخال المساعدات.

لكن رغم ذلك فإن الموقف الأمريكي ليس بالمستوى المأمول. كيف الانتظار ستة أشهر ومشاهد الأطفال يموتون من الجوع والقصف ولا تجبر حليفتها بحزم وقوة على إدخال المساعدات والمواد الغذائية وعلى وقف إطلاق النار. إن الموقف السياسي الرسمي الأمريكي من الرئيس والكونجرس وكل الطاقم السياسي معيب أن تترك حكومة حليفة تجوع أطفالًا وتحرم جرحى وضحايا القصف الإسرائيلي من أدوية ومسكنات للعمليات الجراحية. إنها حرب وحشية على غرار ما قامت به القوات الأمريكية في فيتنام ها هو اليوم يعيد التاريخ نفس الوحشية والإبادة بمساندة أمريكية رغم كل ما قاله بايدن عن اختلافه مع نتنياهو وتصويره أن كلامه كان شديد اللهجة وأن الإدارة الأمريكية قد تغير سياستها تجاه نتنياهو.

كان ينبغي أن يفعل ذلك قبل كل القتلى الذين سقطوا وتجويع الأطفال الذين سيتحولون إذا عاشوا إلى ثوار أعنف من حماس لما شهدوه من كوارث. مهما حاولت إسرائيل منع الصحفيين من دخول غزة وقتلهم وقتل أهاليهم فإن البراهين للإبادة والوحشية تنكشف يوميًا وإسرائيل قد تدفع الثمن على المدى الطويل لأن العنف والوحشية واللا إنسانية تولد العنف والكراهية في نفوس الصغار الذين يعيشون في ظلم ومأساة الاحتلال الإسرائيلي.

صحفية لبنانية

[email protected]