الدوحة – نشأت أمين:

أكَّدَ عددٌ من الدعاة أنَّ من فضائل هذه الأمة أن ختمَ الله لها عبادتَين وركنَين من أركان الإسلام بيومَي فرح وسرور؛ ختم لها ركنَ صيام رمضان بعيد الفطر، وركنَ حجّ بيت الله الحرام بعيد الأضحى، مشيرين إلى أنَّ رسول- الله صلى الله عليه وسلم- سنَّ لنا في العيدين ما يثلج الصدرَ، ويظهر الفرحَ؛ ليعلم غير المسلمين أنّ في ديننا فسحةً وفرحًا لافتين إلى قول الحق تبارك وتعالى: ‌«وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ»، وقوله سبحانه: «قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ ‌فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ».

وقال دعاةٌ لـ الراية: إنَّ عيد الفطر المبارك من شعائر الإسلام الظاهرة، والفرحُ به إنما هو بطاعة الله -عز وجل-، والشكر له على بلوغ شهر رمضان، وإتمام صيام أيامه وقيام لياليه، وعلى سائر الطاعات والقربات وتفطير الصائمين.

ولفتوا إلى أنّه لا بُدّ أن يُعظم يوم العيد في قلوب المؤمنين، لأنَّ الله اختاره لهم عيدًا، وأن يُحتفى بما فيه من العبادات والشعائر، وأن يكون يوم شكر لله، تعالى، فتُجتنب فيه المعاصي والسيئات، ويُحذر فيه من ترك الطاعات، وإلا لما كان يوم شكر عند من يُخلّ بذلك.

الشيخ د. عبدالعزيز آل ثاني: العيد مظهر للتكافل بين المسلمين

قالَ فضيلةُ الشَّيخ د. عبدالعزيز بن عبدالله آل ثاني، الأستاذ بكلية الشريعة – جامعة قطر-: إنَّ العيدَ مظهرٌ من مظاهر التكافل والتآزر والتعاون، حيث يعم الفرح كل بيوت المُسلمين، ويُخرج المُسلمون فيه زكاةَ الفِطر ليستغنيَ الفقراء في ذلك اليوم، حتى ينشغلوا بإظهار فرحة العيد بدل انشغالهم بالبحث عن الطعام، وحتى يوسعَ الآباء على أبنائهم وزوجاتهم في النفقة أكثر من باقي الأيام، ويلبسوهم الجديد، ويتزاورَ الجيران والأقارب، مع تبادل الهدايا والأعطيات، والتهاني، وهذا مما يتجلى فيه معنى قوله تعالى: «إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ ‌أُمَّةً ‌وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ».

ولفتَ إلى أنَّ كلَّ ذلك إظهار لفرحة المسلمين بما تفضّل الله به عليهم؛ من توفيق للعبادة، وفسحة العمر حتى أدركوا العيد، الذي هو من فضل الله ورحمته؛ حيث شرعه لنا، فعن أنس بن مالك- رضي الله عنه-، قال: «كان لأهل الجاهلية يومان في كل سنة يلعبون فيهما، فلما قدِم النبي – صلى الله عليه وسلم المدينة – قالَ: كان لكم يومان تلعبون فيهما، وقد ‌أبدلكم ‌الله بهما خيرًا منهما يوم الفطر، ويوم الأضحى» رواه النسائي، وهذا من جملة فضل الله، حيث ينبغي إظهار الفرح بما هو مباح، فعن أمّنا عائشة – رضي الله عنها- قالت: « دخل عليّ أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار، تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث. قالت: وليستا بمغنيتين. فقال أبو بكر: أمزامير الشيطان في بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ -وذلك في يوم عيد-. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يا أبا بكر! إن لكل قوم عيدًا، وهذا ‌عيدنا»، وهذا التغني ليس مثل الأغاني المنتشرة اليوم، فغالبها تغزل بمفاتن المرأة إثارة للشهوات وإشاعة الفاحشة، ناهيك عن المعازف والآلات، التي نُقل الاتفاق على حرمتها عند جمهور العلماء، لا تجوز في عيد ولا غيره. فالمسلم مهما بلغ فرحه يبقى حريصًا على التقرب من ربه سبحانه.

د. عبدالله إبراهيم السادة: الاستقامة والثبات على الطاعة

قالَ د. عبدالله إبراهيم السادة: في هذا الشهر العظيم أَرَيْنا الله – عزّ وجلّ- من أنفسنا استقامةً، وتلاوةً للقرآن العظيم، ومحافظةً على الجمعة والجماعات، أَرَيْناه كثيرًا من القربات والطاعات، بعد ترك المعاصي والسيئات، فإذا كنت كذلك فعليك أن تستقيم على ذلك، وإياك أن تكون كالمرأة الحمقاء التي تغزل، وبعد غزلها تنقض غزلها، كما قال تعالى: (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا).

وأضافَ: فإياك أن تُعرض بعد إقبالٍ! وإياك أن تعصي بعد طاعة! وإياك أن تهجر بيوت الله بعد صلتها! وإياك أن تهجر القرآن بعد تلاوة! إياك من نقض العهد بعد أخذ العهد عليك! العبادة لله -عز وجل- ليست موسميَّة، العبادة لله -عز وجل- يجب أن تكون مستمرَّة حتى الموت، قال تعالى: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِين)، وقال مخاطبًا سيدنا محمدًا -صلى الله عليه وسلم-: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ).

وتابعَ: إياك أن تعود إلى ما كنت عليه قبل شهر رمضان! لا تترك صلاة الجمعة والجماعة بعد شهر رمضان، ولا تترك مجالس الذكر والطاعة بعد شهر رمضان، ولا تترك تلاوة القرآن بعد شهر رمضان، ولا ترجع إلى مخالطة النساء بعد شهر رمضان، ولا ترجع إلى لقمة الحرام بعد شهر رمضان، ولا ترجع إلى قرناء السوء بعد شهر رمضان.

فاللهَ اللهَ بالاستقامة والثبات على طاعة الله في كل حين! فلا تدري متى يلقاك ملك الموت، فاحذر أن يأتيك وأنت على معصية، اللهم يا مقلب القلوب ثبّت قلوبنا على دينك.

د. محمد الصغير: إدخال السرور على الأهل والعيال

قالَ د. محمد الصغير، يسنُّ في العيد عددٌ من الأمور، أولها: الغسل والتّطيّب ولبس أجمل الثياب: قالَ ابن القيم: كان- صلى الله عليه وسلم- يلبس لهما أجمل ثيابه، وكان له حُلة يلبسها للعيدين والجمعة، وكان ابن عمر يغتسل للعيدين، أما النساء فيبتعدن عن الزينة والتطيب إذا خرجن؛ لأنهنّ منهيّات عن ذلك.

والثاني الأكل قبل الخروج إلى الصلاة: يأكل تمرات قبل أي شيء آخَرَ في عيد الفطر، أما يوم الأضحى فيأكل بعد صلاة العيد من كبد أضحيته أو لحمها قبل أي شيء آخر، قالَ أنس -رضي الله عنه-: (كان النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات ويأكلهن وترًا).

وقالَ من السنن الخروج إلى المصلى مشيًا ومخالفة الطريق، أيضًا من السنن ذكر الله والتكبير حتى صلاة العيد: قالَ تعالى: «وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ»، يُكبر في عيد الفِطر من غروب شمس آخر يوم من رمضانَ إلى صلاة العيد، يرفع الصوت فيها في الطرقات والشوارع والبيوت وبعد الصّلوات، وفي المساجد، فقد وردَ أن المدينة كانت ترتجّ بالتكبير، ومن السنن التهنئةُ بالعيد، كذلك من السنن اللعبُ المباح في العيد، ولا ننسى أن في يوم العيد ينبغي للإنسان صلة الأرحام، وترك التخاصم والهجران، وزيارةُ الأقارب، وتفقد المساكين والأصحاب، والأرامل واليتامى والفقراء، وإدخال السرور على الأهل والعيال دون تبذير ولا إسراف.

الشيخ محمد يوسف الإبراهيم: الفرح بالعيد يكون بفعل ما يُرضي الله تعالى

قالَ الشّيخ محمد يوسف الإبراهيم: إنَّ الفرح بالعيد يكون بفعلِ ما يُرضي الله – تعالى – وبما شرَعه لنا، لا أن نجعلَ الفرح به وقوعًا في بعض المعاصي والآثام، كالغيبة والنّميمة، وغير ذلك مما حرّمه الله، وأن يكون الفرح مُقتصدًا لا إسرافَ فيه ولا تبذير، وأن يحرص الآباء والأمهات على أبنائهم، وألا يهملوا متابعتهم في هذا اليوم، فالعيد مناسبة من أجلّ المناسبات، لإشاعة الحب، والتآلف بين المسلمين.

ولفتَ إلى أن من أهم مقاصد العيد: إعلاء شأن التوحيد، والجهر بكلمته، في الطرقات والمجامع، ليعلم العالم أنه لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، قال تعالى: (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون)، ومن مقاصده أيضًا، التواصل والالتقاء بين المسلمين، وحصول الاجتماع فيما بينهم، فيلتقون في المصلى ويتصافحون ويتعانقون ويُهنئ بعضهم بعضًا بالعيد، وكذلك الحرص على صلة الأرحام، وزيارة الجيران، وعيادة المرضى، ومن كان مُقصرًا في حق أقاربه، فليجعل العيد مفتاح خير له ولغيره، وسببًا لإزالة الخلافات الواقعة بين البعض، وذهاب الشحناء والبغضاء التي قد تستحكم في بعض النفوس، ومن مظاهر الفرح بالعيد إظهار الفرح به، والبهجة والسرور، وتبادل التهنئة به، بأن يقول: (تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال) أو (عيدك مبارك) أو نحوها من عبارات التهنئة، فهي سُنة كان يفعلها أصحابُ النبي- صلى الله عليه وسلم-، فهي سبب في زيادة المودة، وتوثيق الإخاء والمحبة، وفي عصرنا هذا نجد أن لوسائل التواصل دورًا كبيرًا في تيسير التواصل بين الأصحاب والأقارب، بالإضافة إلى التّوسعة على العيال والأولاد.