الفساد الإداري ليس بظاهرة مُستحدثة، فالفساد آفةٌ من آفات المُجتمع منذ قديم الأزل، وهناك صورٌ عديدةٌ للفساد في المُجتمعات. يُعدُّ الفساد الإداري من أخطر صور الفساد التي تُمثل ناقوس خطر يُهدّد مصالح الدول كاملةً، فما هو؟ وما أسبابه؟ وكيفية مواجهته، هذا ما سنعرفه معًا.
الفساد الإداري هو استغلال بعض الموظفين مناصبهم الوظيفية؛ لتحقيق مكاسب شخصية غير مشروعة، ويتمثل أيضًا في التعقيدات البيروقراطية، والاعتداء على المال العام، والمُمارسات غير القانونيّة من قِبل مسؤولي، وبعض الموظفين.
ودوافع ارتكابه عديدةٌ منها أسباب ذات صلة بالأوضاع المُجتمعيّة، والإداريّة، ومنها أسباب شخصيّة، ومن أبرز تلك الأسباب: غياب الرقابة، واتساع فجوة العدالة الاجتماعيّة بين الطبقات، وضعف الوازع الديني وغياب القيم والمبادئ.
قد يكون السبب وراء الفساد الإداري نابعًا من البيئة الإدارية نفسها، فعلى سبيل المثال تعيين موظفين غير أكْفَاء، أو غير أمناء، وضعف الوعي الثقافي بين الموظفين بشأنه وإثم مُرتكبيه، ومدى خطورته على الفرد قبل المُجتمع.
وتتعدد أشكاله، التي يُمكننا تصنيفها إلى فساد الدرجات العُليا، وفساد صغير، والمقصود بالفساد الصغير الفساد الصادر من فرد واحد لهدف شخصي، مثل: تحصيل رِشوة، أما فساد الدرجات العُليا، فهو الأخطر على مصالح الدول.
حيث إن فساد الدرجات العُليا هو الفساد الصادر من بعض المسؤولين، وغالبًا يهدف إلى تحقيق مكاسب شخصية ضخمة تلتهم موارد وأموال الدول، ولهذا يجب الضرب بيدٍ من حديد في مواجهة كافة أنواع الفساد؛ لتطهير المُجتمعات، والحفاظ على المال العام.
كما أن له العديد من الآليات والطرق التي يبتكرها الفاسدون كوسيلة لتحقيق غاياتهم غير الشريفة، ولم يسلم القطاع العام، ولا الخاص منه، والذي أصبح شبه وباء يتخلل المُجتمعات.
«لماذا يجب علينا مُكافحة الفساد؟» الفساد آفة تُدمّر المُجتمعات من الناحية الإداريّة، والاقتصاديّة، والمُجتمعية، ويُعد عقبةً ضخمةً أمام تحقيق التنمية الاقتصادية، والمُجتمعية، وقد تكون سببًا في تضخيم مُشكلات التدهور الاقتصادي، وزيادة نسب البطالة، وغيرها من العواقب.
فقد قال الإمام الغزالي: «الإسلام يعتبر الفساد داءً خبيثًا، لا يقصر شره على صاحبه بل يتعدّاه إلى كِيان الأمة كلها»؛ ولهذا يجب تضافر الجهود في مُحاربة هذا الداء، والقضاء على شروره.
وكما قال حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المُفدى: «لن نتسامحَ مع الفساد المالي والإداري أو استغلال المنصب العام لأغراض خاصة»، وهذا ما يتوجب على الحكومات فعله في مواجهة الفساد، ومن أولى خُطوات التصدي للفساد فرض الأحكام الصارمة ضد من يثبت ارتكابه صورة من صور الفساد.
لا بدّ أن يكونَ الجميع سواسية أمام القانون، ويجب أن يخضعَ الجميع للإفصاح العام، والكشف عن الذمة المالية، وتعزيز الرقابة، ومنح السلطات القضائية حقها الكامل في الفصل في مُنازعات الفساد دون تأثير خارجي.
من آليات مُحاربة الفساد أيضًا إعطاء الحرية للإعلام في الكشف عن الفساد، والفاسدين، باعتباره من سلطات المُجتمع ذات التأثير الفعال، كما يجب استغلال منصات الإعلام في توعية المُجتمع حول مخاطر الفساد، ودور الفرد في القضاء عليه.
كما ينبغي على السلطات أيضًا الحرص على توظيف مسؤولين إداريين لديهم قيم، ومبادئ أخلاقية، ويحرصون على تأدية واجباتهم الوظيفيّة، طبقًا للمعايير الأخلاقية.
وختامًا: كما أن مُكافحة سلوكيات الفساد الإداري تتطلب جهودًا من حكومات الدول، للفرد أيضًا دور ملموس في مُحاربة الفساد عن طريق الإبلاغ عن حالات الفساد، وتوعية المُحيطين بخطورة، وعدم مشروعية تلك المُمارسات، فلا بدّ من الوقوف يدًا واحدةً في التصدي لتلك الظاهرة.

@Q_south

[email protected]