ضوء أخضر.. بالمعرفة تُبنى الحضارات

جذبني شعار معرض الدوحة الدولي للكتاب في نسخته الثالثة والثلاثين «بالمعرفة تُبنى الحضارات» فالارتكاز على قاعدة من الشباب الواعي والمثقف، من مقومات المجتمعات الناجحة والمواكبة للحضارة، فالشعوب التي تعجز عن جعل القراءة أسلوب حياة تظل على هامش التاريخ، وهذا بالطبع مما لا يختلف عليه اثنان.
والقراءة اليوم نحتاجها في وطننا العربي أكثر من أي وقتٍ مضى، لأن ما يحدث في الجغرافيا والتاريخ والذاكرة بسبب اللعبة السياسية يحتاج وعيًا مضاعفًا، حتى لا نكون عناصر خلل المستقبل، لأن التعامل مع القراءة بمسؤولية ووظيفية، يجعلنا نتجاوز مسألة التأثير المباشر، إلى مفهوم أشمل وأبلغ، وهو كيف تصنع من القراءة حالة ثقافية، فكلما قرأنا أكثر تعلمنا أكثر وتفتحت مداركنا، خصوصًا بالنسبة لأبنائنا، وذلك من خلال ترسيخ ثقافة القراءة، في وجدان طلاب المدارس، وهو ما يغير كثيرًا من أنماط الحياة التقليدية، حيث إن القراءة بالفعل تُكسب الأبناء مهارات حياتية عديدة وتحلق بهم إلى سماء الإبداع.
وبالرغم من حرص معظم أولياء الأمور على انتهاء أبنائهم من واجباتهم المدرسية اليومية، فإن هناك بعض الأوقات التي يمكن استغلالها في المطالعة الحرة، فالقراءة توسع دائرة الخيال وتحث الصغار على التفكير الإبداعي خصوصًا بالنسبة لطلاب الإعدادية باعتبارها مرحلة مفصلية، لكن للأسف النظام التعليمي في الكثير من الأحيان لا يشجع على القراءة مثل السابق، باعتبار أننا عندما كنا طلابًا في المدارس، كان هنالك تواجد للمكتبة المدرسية، بالإضافة إلى حرص المدارس على إجراء المسابقات التنافسية بين الطلاب في قراءة الكتب خارج المنهج الدراسي، إيمانًا منها بأهمية القراءة للأطفال كمصدر للمعرفة والتعلم.
ومن هذا المنطلق، يعزز معرض الدوحة الدولي للكتاب في نسخته الثالثة والثلاثين من قيمة القراءة من خلال شعاره «بالمعرفة تُبنى الحضارات» فمن رهانات المعرض أن يكون الكتاب محركًا للفكر والوجدان ودافعًا للحياة، حيث يُعد هذا المعرض أحد أهم قنوات التواصل المباشر بين الكتاب والناشرين والمثقفين للاطلاع على كل ما هو جديد في مجال صناعة المعرفة، فضلًا عن كونه يعكس حالة المشهد الثقافي الذي تعيشه الدولة.
ومما لا شك فيه أن معرض الدوحة الدولي للكتاب يعكس حرص القيادة الحكيمة على الثقافة وأهميتها، لتصل صورة قطر إلى الأقطار العالمية كافة، بأنها دولة تسعى إلى ترسيخ السلام والاستقرار والمحبة في دول العالم، وهذا ديدنها منذ عهد المؤسس الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني -رحمه الله- الذي أوْلى الثقافة كل اهتمام، علاوة على حرصه على نشر المعرفة، بجلب الكتب من الهند وإرسالها إلى الدول المجاورة، رغم ظروف الانتقال الصعبة وقتها، وواصل حكامنا من بعده هذا الاهتمام، إلى أن وصلنا إلى عهد حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، وقبله عهد صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وهو ما يعكس الاهتمام بهذا المشروع الثقافي والمعرفي الكبير.
والله ولي التوفيق ،،،
أستاذ الهيدروجيولوجيا والبيئة بجامعة قطر