اتخذ معرض الدوحة الدولي للكتاب في دورته الحالية لعام 2024 شعار «بالمعرفة تُبنى الحضارات» وهو شعار يترجم واقع الحال، خاصة فيما يتعلق بالحضارة العربية التي امتدت من الصين شرقًا إلى قلب أوروبا غربًا، حاملة معها أهم ركائز التنوير وهو الكتاب، الذي يحمل روح الحضارة الأصيلة من خلال العلوم الإنسانية والعلوم التطبيقية التي حفظتها الكتب العربية لتصنع حضارة واسعة، قدمت المعرفة الشاملة لتصنع حضارة خالدة استمدت مقوماتها من العلوم والمعارف التي أنتجها العقل العربي، والذي أسهم بنصيب وافر في نشر المعارف والعلوم في أرجاء المعمورة حينها.

ومن الطبيعي أن يكون هذا الشعار حافزًا قويًا للإقبال على الكتاب باعتباره همزة الوصل بين الحضارات عبر العصور، وإن تعددت أشكاله وتباينت أهدافه في كل عصر، فالمحصلة النهائية هي الوصول للمعرفة باعتبارها القاعدة الصلبة للحضارات.

وفي هذا العام كما هو في كل عام اتسم المعرض بحسن التنظيم، مع زيادة ملحوظة في عدد دور النشر الوطنية التي حفلت بالكتب القطرية التي تناولت شتى العلوم والفنون والآداب، وأثبتت دورها في المنافسة مع دور النشر العربية العريقة، سواء في اختيار الكتب في جميع التخصصات، أو في توفير وسائل عرض جذابة ملفتة للنظر بديكوراتها الضخمة، أو بإخراج كتبها بجودة ملحوظة، وإخراج أنيق، كما نافست بعض الوزارات والمؤسسات الحكومية في الذهاب بعيدًا في هذا المجال، فظهرت مطبوعاتها بطباعة مترفة قد لا تتيح للقارئ العادي الحصول عليها، لأن زيادة تكلفة الطباعة تعني بالضرورة زيادة سعر البيع، مع أن الهدف منها هو نقل المعرفة للفئات المستهدفة دون إرهاق كاهل تلك الفئة التي تريد الاستفادة منها.

ومع زيادة عدد دور النشر، زادت الكتب الإبداعية للموهوبين إلى جانب الكتّاب المعروفين الذين تعودنا على ظهورهم في كل دورة من دورات هذا المعرض بكتاب أو أكثر، مع أن العبرة ليست في كثرة المؤلفات، بل في جودتها، وربما كان الكتاب الواحد يغني عن بقية مؤلفات صاحبه، إذا ركزنا على الكيف وليس الكم.

في مجال الرواية تحديدًا ظهرت أسماء جديدة خاضت هذه التجربة بمستويات مختلفة، ولا شك أن هذا العدد الكبير من الروايات، يتيح فرص التنافس بين جميع كتاب الرواية في قطر صغيرهم وكبيرهم، دون أن يلغي هذا الأمر أهمية التجربة التي يملكها السابقون في الكتابة الروائية، ويفتقر إليها اللاحقون، هنا لا بد أن نعترف أن بعض تجارب كتاب الرواية الجدد قد تفوق في تقنيتها الروائية وحبكتها الفنية ولغتها السردية تجارب أولئك السابقين، ومنهم من يكرر نفسه بحيث يكتفي القارئ برواية واحدة تكفيه عن قراءة روايات مكررة ومملة، ولا جديد فيها.

من ينعى على الرواية المحلية كثرة إنتاجها نقول له: إن الباب مفتوح للجميع، ولن يبقى إلا الجيد منها في نهاية الأمر.

 

[email protected]