قصتان رأيت أن بهما ارتباطًا في التماثل، ولو أن بينهما فارقًا زمنيًا كبيرًا، إلا أن نمط التعامل الإنساني والنتائج تبقى مُتماثلة ما دام الإنسان هو نفسه الموجود منذ بدء الخليقة، والعنوان مرتبط بالثانية كما سنرى ذلك في النهاية، في القصة الأولى يُحكى أن أحد أبناء الملوك في اليمن، وهو وائل بن حجر، قدِم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مُعلنًا إسلامه، وكان الرسول الكريم قد قال لأصحابه يقدُم عليكم بقية أبناء الملوك، فلما أتى وائلٌ رَحَّب به رسولنا الكريم، الذي كان من كرمه النبوي أن يضع الناس موضعهم، من المقام الذي كانوا فيه قبل إسلامهم فأعطاه أرضًا نظير ما ترك من الزعامة، وأرسل معه أحد الصحابة وهو معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- ليريه تلك الأرض وكان معاوية من الفقر ليس لديه نعال، فقال لوائل أردفني على الناقة فرد عليه: ليس شحًا بالناقة ولكنك لست رديفًا للملوك، فقال معاوية إذَنْ أعطني نعالك، فرد: ليس شحًا بالنعال، ولكن لست ممن ينتعل نعال الملوك، ويدور الزمن وقد آلت الخلافة لسيدنا معاوية، وقد جاوز وائل الثمانين من العمر ودخل على معاوية وكان جالسًا على كرسي الحكم فقام وأجلس وائل محله، وذكره بما كان بينهما حين قدم على رسول الله من قبل، وأمر له بمال فاستحيا وائل ورد المال، وقال من حلمك هذا وددت لو رجع بي الزمن فأحملك بين يدي هاتين.
والقصة الثانية في أحد أماكن العمل اعتاد أحد المديرين على تتبع زلات بسيطة لإحدى الموظفات عنده يحاسبها على الصغيرة والكبيرة كما يقولون، وهي بالذات دون باقي الموظفات، وقد يكون حسدًا لبراعتها في العمل، أو قد يكون نتيجة إحساسه بالضعف لجودة العمل عندها في أداء مهمات وظيفتها، الشاهد أن في تلك الدولة تغيرت الاستراتيجية في المنظومة لإعطاء المرأة دورًا أكبر فتم اختيار تلك الموظفة لتكون أرفع منصبًا من مديرها، وصارت هي من تحاسبه على التأخير وهي من تكشف ما يكون عنده من تقصير، وتلزمه بالرجوع لها في الأمر الصغير منه والكبير، وهكذا كان أمر دوران الدنيا فهي لا تبقى على حال والعبرة المستفادة سنفرد لها مقالًا خاصًا بإذن الواحد الأحد. وللحديث بقية.