«القناعة كَنزٌ لا يفنى»، مقولةٌ تتردد باستمرارٍ في مواقف كثيرة في حياتنا، فهل ما زالت القناعة بنفس قوتها وتأثيرها في زمن أصبحت فيه المادة بمظاهرها الشكليّة هي المؤثرة؟.
بالتمعّن في مُجريات الحياة من حولنا نجد أن كَنز القناعة بدأ يتأثر بصورة واضحة في كثير من الأمور الحياتية.
لم تعد له قوته القِيميّة وبُعده الأخلاقي لدى البعض، بتطلعاتهم اللامحدودة لما لدى غيرهم من مال، ومنصب، وجاه، وأصبحوا يندفعون في سباقٍ مع الزمن للوصول إلى ما في أيدي الآخرين من ماديات.
لم يعد ما يمتلكونه من نعمٍ يبعث الرضا في نفوسهم المُتطلعة للمزيد من المظاهر الماديّة، لقناعتهم بأنهم يجب أن يتصدروا مُجتمعاتهم في مظاهر الثراء، ولن يتأتى لهم ذلك إلا باقتنائهم أغلى الأشياء الاستهلاكيّة من سيارات فارهة، وقصور فاخرة، وارتداء أغلى الماركات العالميّة وتصوير مُقتنياتهم ونشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي للمُباهاة، وقد يندفع بعضهم حتى يضمن الاستمرارية في هذا الثراء المادي إلى اللجوء لطرق الكسب المُلتوية من نصب وغش وخداع ورِشًى، للحفاظ على ما حققوه من مُستوى مادي في مُجتمعاتهم.
القناعة لا تعني «مكانك سر»، وعدم السعي لتحسين الظروف المعيشيّة لأفراد المُجتمع بالسبل المشروعة والجِدّ والاجتهاد الفعّال المؤثر في رفع مُستوى الظروف المعيشية لأفراد المُجتمع ككل.
كَنزُ القناعة يحتاج لتكاتف مُجتمعي يسعى لتحويل مساره من المظاهر الشكليّة إلى كنوز المعرفة القائمة على منهجية مُتعدّدة المسارات من البحث والابتكار وتنويع مصادر الإنتاج لتحويل المُجتمع من سلوكيات الاستهلاك السلبي المردود إلى الإنتاج المُحقق للاكتفاء الذاتي بالاستفادة من الموارد المحليّة المُتوفّرة، أيًا كان نوعها، نفطيّة، أو زراعيّة، إلى جانب الاهتمام بأهم المصادر المحليّة، وهي المهارات البشريّة الوطنيّة، بتدريبهم على أحدث المُستجدات التقنيّة لتوظيفها في مسارات الإنتاج المنوّع الهادف للاكتفاء الذاتي، عندها تصبح القناعة قدوة مؤثرة فاعلة تُحتذى من قِبل الأجيال القادمة.