أتحدث عن العِبرة من أحداث القصتين اللتين جاءتا في المقال قبل السابق، حيث وقعت إحداهما في زمن الصحابة، رضي الله عنهم، من استهزاء ابن الملوك القادم من اليمن وائل بن حجر بمعاوية بن أبي سفيان، في البداية حين أرسله النبي الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم معه، ثم ما آل إليه الوضع لكاتب الوحي الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان بعد عقود من الجلوس على كرسي الحكم، وأخذ مكانه في موقع الملوك بعد عقود.
والقصة الثانية، حال تصرّف المسؤول المُتصيّد مع موظف ليس لها من الأمر شيء، وحين كان بيده زمام الأمر والتصرّف، ظن أن أمر الدنيا سيبقى كما هو عليه، وأنسته نفسه الأمّارة بالسوء، تدبير مُدبّر الأمور، الذي أمره «كن فيكون»، سبحانه جلَّ جلاله، والعِبرة أن الأمر كله يتعلق بالتصرّف بمفهوم خط الرجعة، بمعنى أن الإنسان يضع سيناريوهات للمُستقبل فيقوم بعمل يستفيد من خلال الحدث الحاضر، ففي حالة سيدنا معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، ولو كان غيره، لذكّر ابن الملوك وائل بما كان منه ولجازاه بالمِثل في الاستعلاء والاستهزاء ولمنع عنه المُساعدة، فكان الأخير فقد من يُعطيه وقت حاجته، ولو كان المُدير له حُسن خلق وطيب مُعاملة لكان ردة فعل الموظف حين أصبح هو الأعلي في المنصب، أفضل ولأرجع عليه الإحسان بالإحسان.
العِبرة، أننا يجب ألا نستهين بتقلبات الزمن، وبسبب تصرفات مُعينة نقوم بها ضد آخرين قد يكون فيها الكِبر والاستعلاء هو العنوان الكبير، فقد نجد أنفسنا فجأة فقدنا أيادي كان من المُمكن أن تمتد لتُساعدنا، ولهذا امتدح الله تعالى من تواضع ومن سعى لخدمة الناس وقضاء حوائجهم، فإن من يحاسب نتيجة تصرفاته، كما هي في الحاضر ولم يضع في الحسبان مفهوم خط الرجعة، لديه قصر نظر في التعامل مع الناس، ولو وضع مُراعاة الضمير والإنسانيّة وحُسن الخلق والرفق بالضعيف، لكان ذلك رصيدًا له في المُستقبل وقت الحاجة، وأيضًا هو أجر له في الحاضر، وعلى نيّاتكم تُرزقون.