قال اللهُ تعالى في كتابه الكريم: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ، هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) النحل: 76.
في هذه الآيات الكريمات مثل ضربه الله تعالى لنفسه والآلهة التي يعبدها المشركون من دونه، فقال تعالى ذكره ( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ) يعني بذلك الصنمَ أنه لا يسمع شيئًا ، ولا ينطق، لأنه إما من خشب منحوت ، وإما نحاس مصنوع، لا يقدر على نفع لمن خدمه ، ولا دفع ضرّ عنه (وهو كَلٌّ على مولاه) يقول: وهو عالة على ابن عمه أو حلفائه وأهل ولايته، فكذلك الصنم كَلٌّ على من يعبده، يحتاج أن يحمله ، ويضعه ويخدمه، كالأبكم من الناس الذي لا يقدر على شيء، فهو كَلّ على أوليائه من بني أعمامه وغيرهم (أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ) يقول: حيثما يوجهه لا يأت بخير، لأنه لا يفهم ما يُقال له، ولا يقدر أن يعبر عن نفسه ما يريد، فهو لا يَفهم ، ولا يُفْهَم عنه، فكذلك الصنم، لا يعقل ما يقال له ، فيأتمر لأمر مَن أمَره، ولا ينطق فيأمُر ويَنهى، يقول الله تعالى (هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ) يعني: هل يستوي هذا الأبكم الكَلّ على مولاه مع مَن هو ناطق متكلم يأمر بالحقّ ويدعو إليه وهو الله الواحد القهار، الذي يدعو عباده إلى توحيده وطاعته، يقول: لا يستوي هو -تعالى ذكره- والصنم الذي صفته ما وصف. وقوله (وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) يقول: وهو مع أمره بالعدل، على طريق من الحقّ في دعائه إلى العدل ، وأمره به مستقيم، لا يَعْوَجّ عن الحقّ ولا يزول عنه.
عن ابن أبي نُجيح، عن مجاهد، في قول الله تعالى ذكره (رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ) و( وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ) قال: كلّ هذا مثلُ إلهِ الحقّ، وما يُدعى من دونه من الباطل.