إسرائيل وتصفية الصحفيين
بقلم/ رندة تقي الدين:
استهدافُ القوات الإسرائيلية وقتلها إسماعيلَ الغول الصحفي الشاب (٢٧سنة)، مراسل الجزيرة في غزة وزميله المصور رامي الريفي هو النَّهج المستمرّ منذ ٨ أكتوبر لإسرائيل؛ لمنع الصحفيين من وصف حقيقة الوحشيَّة التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزةَ. منذ بدء هذه الحرب قتلت إسرائيل ١٦٥ صحفيًا في غزة ولبنان، في مسعى لإخفاء عملها في القتل والتجويع والتعذيب، الذي تقوم به قوات الاحتلال الإسرائيليّ. فهي تمنع أيَّ صحفي أجنبي من الدخول إلى قطاع غزة منذ حربها على الفلسطينيينَ. اعترضت بعض وسائل الإعلام الغربية على منعها ثم صمتت. عندما قصفت القوات الإسرائيلية سيّارةَ إسماعيل الغول ورامي الريفي كان عليها، رمز صحافة الجزيرة، كما أنَّ إسماعيل ورامي كانا يرتديان سترة الصحافة من أجل حمايتهما، لكن مع ذلك تمّ قتلهما. كان إسماعيل ورامي عائدين من منزل إسماعيل هنية المدمّر بعد جريمة اغتياله في طهران. أحد زملاء إسماعيل الغول قال للجزيرة: إن « خلف الكاميرا والصور التي كان يخرجها إسماعيل كانَ يبذل كل جهده في وقت فراغه لتوفير احتياجات الناس في ظلّ ظروف غزة الصعبة التي يعاني أهلها من التجويع، والظروف المأساوية والتعطيش والحصار، فكان يجتهد في جمع الطحين والمواد الغذائية، ويوزعها على المحتاجين». جريمة استهداف سيارة الغول ورامي الريفي هي من ضمن مسعى إسرائيلي لإخفاء ما تفعلُ وترتكبُ. تمامًا مثل الأكاذيب التي عرضها، رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الكونجرس الأمريكيّ عندما ادّعى أنه لا صحة لاتهامات إسرائيل بمنع دخول المواد الإنسانية إلى غزة، فكل ما قاله ينفي الصور التي تنقل عن صحفيين شجعان مثل إسماعيل الغول وغيره من صحفيين فلسطينيين مهنيين من غزة، يعطون الصورة الحقيقية لما يجري في القطاع.
أنَّ سكوت العالم الغربي والديمقراطيات التي تدعي حماية حرية التعبير مذهلٌ. لم تقلْ شيئًا عن جريمة قتل الزميلَين إسماعيل ورامي خلال عملهما. أين أصوات وتنديد «مراسلين بلا حدود» وجميع منظمات حقوق الإنسان التي تولي أهمية للحريات. لم نسمع شيئًا عن قتل هذين الصحفيين سوى في شبكة الجزيرة والإعلام العربيّ. هل العالم الحرّ – كما تصف نفسها بعضُ الدول – يعتبر صحفيي غزة الذين يقومون بواجبات مهمتهم بعرض الحقيقة وأوضاع أهلهم في قطاع غزة تحت القصف الإسرائيلي لا يستحقون قيام منظمات حقوق الإنسان وجمعيات الصحفيين العالمية بمقاضاة وطلب محاكمة إسرائيل على قتل الصحفيين في غزة؟، رغم أنهم كانوا يرتدون سترات الصحافة التي هي بالمبدأ أن تكون حماية عالمية من القتل المنهجيّ. قناة الجزيرة خسرت عددًا من صحفييها الفلسطينيين، بدءًا بشيرين أبو عاقلة التي قتلت برصاصة جندي إسرائيليّ. كان ذلك قبل حرب غزة والتحقيق الأمريكي على مقتلها أدّى إلى الاعتراف بأن رصاصة جندي إسرائيلي هي التي أودت بحياة الصحفية الباسلة التي كان جميع مشاهدي الجزيرة ينتظرون تقاريرَها عن حياة الفلسطينيين تحت الحصار والاحتلالِ. التحقيق الأمريكي لم يؤدِّ إلى أية عقوبة أو مُلاحقة، فكل ما قالته الإدارة الأمريكية: إن شيرين قد سقطت برصاصة إسرائيلية خطأ. إن هذا الغرب الذي يدّعي أنه بطل الحريات والدفاع عن حقوق الإنسان بقي صامتًا على جريمة إسماعيل الغول ورامي الريفي. هل أبطال العالم الحر منشغلون بأمور أكبر من جريمة قتل أبرياء شباب يقومون بعملهم بشفافية وشجاعة إلى حد أنه لم نسمع حتى إدانة من هذا أو ذاك من إدارة أمريكية أو أوروبية؟، كأن جريمة قتل الغول والريفي أصبحت من يوميات غزة المأساوية، ولا داعي لتذكير العالم بخرق إسرائيل كل القوانين والمبادئ التي يدعي حلفاؤها أنهم يدافعون عنها. قرعوا آذاننا بحرصهم على حرية الكلمة، وإسرائيل تختار قتل المهنيين الذين يكرسون عملهم لنقل الحقيقة في ظل سكوت غربي مطبق. إلى متّى ستبقى دول – تصف نفسَها بدول حقوق الإنسان والديمقراطية -، تغض النظر عن الجرائم ضد صحفيي فلسطينَ؟. هل الصحافة الفلسطينية مختلفة عن الصحفيين الذين يتم قتلهم في أماكن أخرى؟، إذ إن هؤلاء يحصلون على اهتمام ومتابعة ومعاقبة قاتليهم في حين أن ١٦٥ صحفيًا فلسطينيًا ولبنانيًا قضوا ولم يُثر قتلهم ما أثاره قاتل الآخرين. لبنان عانى الكثير من قتل الصحفيين من شباب، مثل: جبران غسان تويني، رئيس تحرير جريدة النهار اللبنانية، وسمير قصير، وفي الماضي من كبار الصحفيين، مثل: كامل مروة ناشر جريدة الحياة، وسليم اللوزي ناشر مجلة الحوادث، واستمرت الجرائم مع الحرب على الفلسطينيين لتصفية الحقيقة التي رغم كل شيء ستبقى مكشوفة، مادام هناك شجعان يدفعون حياتهم في غزة من أجل تعبئة الناس في العالم « الحر « إزاء انتهاكات إسرائيل لكل القيم الإنسانيَّة ضد الشعب الفلسطيني في غزّة، وباقي الأراضي الفلسطينية.
صحفية لبنانية