يَمرُّ الاقتصاد العالمي على مدار العقد الماضي وحتى الآن بمجموعة تقلبات واسعة ترفع من درجة المخاطر وعدم اليقين، تزداد وتيرتها خلال العام الحالي متأثرة بالحرب القائمة في غزة وتبعاتها على المنطقة، وحركة التجارة الدولية ومعوقات النقل، والكثير من المعطيات، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ارتفاع أسعار الشحن خلال الستة أشهر الماضية إلى أكثر من 200% مع ترشحها للزيادة المتناقصة خلال العام الجاري، بكل الأحوال هنالك مجموعة من المؤشرات المالية والاقتصادية والإدارية التي يجب رصدها في نشاط الشركات خصوصًا المتوسطة منها، ويمكن تعميمها على كل الشركات، والتي تعد ناقوس خطر إذا ظهر أحد هذه المؤشرات أو مجموعة منها، وهي أولًا معدل السيولة السريعة والذي يعني محاسبيًا مجموع الأصول المتداولة مقسومًا على الخصوم المتداولة، ويعني بلغة الأعمال قدرة الشركة على الالتزام بالتزاماتها المالية قصيرة الأجل والتي يجب تسديدها خلال 45 يومًا، فإذا كان الرقم الناتج أقل «واحد صحيح» فإن ذلك مؤشر خطر كبير وهو أحد أبرز مؤشرات انهيار الشركات على الإطلاق والذي يعكس تراجع مستوى السيولة على الرغم من نشاط الأعمال، ثانيًا ارتفاع معدل دوران الموظفين والذي يعني بلغة الأعمال أن هنالك حركة استقالات أو إنهاء أعمال موظفين بالشركة بشكل كبير خلال العام الواحد، وتبرز خطورة هذا المؤشر ماليًا تحت تأثير تغيير الموظفين حيث إن الموظف الكفء أو غير الكفء يعتبر استثمارًا للشركة لأن الموظف المستجد يصل عادة إلى أفضل نسب كفاءة التشغيل بعد الستة أشهر الأولى، وبالتالي فإن خروجه من الشركة خلال العام الأول يعني خسارة فترة الاستثمار الأولى، وبالتالي هو مؤشر خطير على انخفاض كفاءة الإدارة من حيث التوظيف والتشغيل، ثالثًا ارتفاع مخزون أول المدة ويشمل ذلك القطاع الصناعي والخدمي كذلك، ويعني هذا المصطلح بالنسبة للقطاع الصناعي أن حركة دوران المخزون متراجعة إلى الحد الذي تصل فيه مدة التخزين إلى ضعف فترة الدوران الطبيعي، وبالتالي هذا مؤشر خطير جدًا على نشاط الشركة ويمكن أن يؤدي إلى ما يُطلق عليه السكتة الدماغية للمنشأة، بمعنى ظهور آثار المشكلة بشكل مفاجئ بحيث لا يمكن التصرف عند اكتشاف الخلل بما يؤدي إلى انهيار الشركة، رابعًا edging report ويعتبر هذا المصطلح تعبيرًا ماليًا ومحاسبيًا في آن معًا، ويعني ارتفاع معدل الديون غير المحصلة في تقرير المطلوبات التي وصلت إلى نهاية فترة التحصيل الطبيعية، والخطر من هذا المؤشر ينقسم إلى قسمين الأول هو تراجع قدرة قسم التحصيل على استرداد الديون مع كل يوم بعد فترة التحصيل الطبيعية حيث تتحول هذه الديون إلى ديون مشكوك في تحصيلها ثم مع نهاية العام المالي تتحول بسرعة إلى ديون معدومة، حيث تظهر الإحصاءات أن نسبة تحصيل الديون تصل إلى أقل من 20% بعد العام الأول، ويكون الأثر مفاجئًا على الإدارة ولا يمكن تحمل عواقبه، خامسًا تخصيص النشاط للشركات الكبيرة، فمن المعروف أن بند الأرباح المحتجزة وأرصدة الطوارئ لا يحتفظ بها نقدًا وإنما يجب تنويع الاستثمارات بها في قطاعات مختلفة عن النشاط الأصلي للشركة على أن يكون أقل مخاطرة وقابلًا للتسييل المتوسط، ذلك أنه مع نمو الشركات وكبر حجمها تكون أكثر عرضة للانهيار تحت ضغط الركود أو الكساد، لأن مصاريفها التشغيلية تكون مرتفعة، سادسًا المبالغة في الرفع المالي وخدمة الدَّين، والتي تعني التوسع المبني على الاقتراض حتى وإن كان رابحًا، لأنه في حال تراجع العمليات التشغيلية فإن خدمة الدّين لا تتوقف وأصل الدَّين سيتم سداده من أصول الشركة، وسابعًا وأخيرًا عدم البحث أو الاقتناع بضرورة الاندماج أو التعاون مع المنافسين، ذلك لأن ضغط الأسواق في كل القطاعات يرفع حدة المنافسة لدرجة قد تدفع الشركات إلى التضحية بجودة منتجاتها أو إلى تقليل أرباحها إلى ما دون الصفر بهدف الاستمرار الإقصائي، والذي يهدف إلى إخراج المنافسين من السوق، وهذا ما يقود عادة إلى أضرار لا يمكن إصلاحها وقد يقود إلى الإفلاس، إن قطاع الأعمال في الوقت الراهن أشبه بقيادة سفينة في بحر متلاطم الأمواج، فلما كبرت السفينة أصبحت أقدر على النجاة لكن مع الأخذ بعين الاعتبار أن مخاطر التوجيه تصبح أكبر صعوبة كلما كبرت السفينة، لذلك نصيحتنا الأخيرة هي اليقظة الإدارية والتوظيف الاحترافي ومراعاة قواعد التحليل المالي والترجمة الإدارية المحترفة.

[email protected]