كتاب الراية

بيني وبينك.. في رثاء القادة الشّهداء

قُتِل زيدٌ بن حارثة في معركة مؤتة فتسلَّم الرايةَ جعفرٌ بن أبي طالب، وقُتِلَ جعفر فتسلَّم الرّايةَ عبدُالله بن رواحة، وقُتِلَ عبدُ الله فتسلَّم الرّاية خالد بن الوليد -رضي الله عنهم أجمعين- ولم تسقطِ الرّايةُ، واستمرّ نهرُ الشّهادة، وبقيَ الدِّينُ سليمًا، لأنّ الفكرة لا تموتُ بِمَوْتِ مَنْ يحملها. القادة لا ينهزمون، إنّهم يُسلِّمون الرّاية شهيدًا إلى شهيد، وسيِّدًا إلى سيّد، وإذا ما أُريقَ الدَّم ضَوَّأ الفجرُ وتبدّدَت العَتَماتُ، وإذا ما علتْ صيحة: (اللهُ أكبر) رجفَ قلبُ المُنافِقين، وولّتْ جموعهم مُوَلْوِلة، والعاقبة للمُتَّقِين.

وها هو إسماعيل هنيّة، تقتلُه يد الغدر غريبًا وحيدًا في أرضٍ غريبة، فهل موتُه سيُنهي المُقاومة؟ واهِمٌ كلَّ الوهم مَنْ يعتقدُ ذلك، إنّ موتَه سيكونُ وقودَ الثّورة والثّأر، والتّاريخ شاهِدٌ على ذلك، أكانَ أوّل مَنْ يرتقي في هذه السّبيل الشّائكة؟ لا، بل كان قبله المُؤسّس الشّيخ أحمد ياسين، وعبدالعزيز الرّنتيسي، وصلاح شحادة، ويحيى عَيّاش، وقافلةٌ من المناضلين، ولا زالتْ تُقدِّمُ أقمارَها قمرًا إثر قمر في هذه اللّيالي الحالِكات، وما النّتيجة؟ هل رأيتَ أثرَ ذلك على المُقاومة؟ نعم، كُلُّنا رآه، إنّ أكثرَ من عشرين عامًا تفصل بين أوّل قمرٍ وآخر قمرٍ، فهل هُزِمَتِ القافلة أو توقَّفَتْ عن المسير أو تعبت أو يَئِسَتْ من رَوْحِ الله؟ كلَّا، وألفُ كلَّا.

ماتَ الرجلُ بصاروخ إسرائيلي مُوجَّه إلى جسده الطاهر مباشرة، أو قنبلة موقوتة، أو قذيفة من البحر أو من الأرض، أو من أيّ مكانٍ، إنّ النّهاية واحدة، وجدَ الرّجلُ ما كان يبحثُ عنه طَوال حياته، وما كان يتوقّعه وينتظره، لَقِيَ رَبَّه صابِرًا مُحتسِبًا، ثابِتًا لم يُغيَّر ولم يتغيّر، وستكونُ دماؤه لعنةً على الطُّغاة الظّالمين، وقنديلًا مُضيئًا للمُؤمنين الصّابرين؛ فهل هناك شهادة أوضح من ذلك؟!

لا خلافَ على الدم سواء أكانَ قد استُشهد في إيران أم في تركيّا أم في قطر أم في أيّ مكان. «وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بأيِّ أرضٍ تَمُوت» . نال الرّجل ما تمنّى، كانَ يترنّم بذلك في أناشيده بصوته العذب، ويتلوه في آياتِه البيّنات بإيقاعٍ شَجِيّ. أمّا الأسى فعلينا نحن، وعلى كلّ مَنْ رَكَنَ إلى الدُّنيا الفانية وإلى الّذين ظَلَمُوا. التقيتُه مرّتَين، وسمع منّي شِعري في الشُّهداء وهو يجلسُ إلى جانبي.

 

AymanOtoom@

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X