كتاب الراية

مجرد رأي.. «بلطجة منظمة»

ماذا تعني أعمال الشغب في المملكة المُتحدة لمُستقبل أوروبا؟

تواجه المملكة المُتحدة والعديد من الدول الأوروبيّة الأخرى، أزمة هُوية مُتصاعدة تُهدّد استقرارها الاجتماعي والسياسي، فأحداث الشغب الأخيرة التي اندلعت في مُختلِف المدن البريطانية على خلفية مقتل ثلاث فتيات صغيرات في حادث طعن مأساوي في ساوثبورت، تعكس بوضوح هذه الأزمة.

لقد أظهرت هذه الأحداثُ مدى هشاشة النسيج الاجتماعي في الغرب ومدى تأثير الشائعات والمعلومات المُضللة في تأجيج الكراهية والعنف، فخلال الأيام القليلة الماضية شهدت المملكة المُتحدة موجةً من العنف ضد المُهاجرين والمُسلمين، قادها أفراد وجماعات يمينيّة مُتطرّفة، هذه الأعمال ليست مُجرّد احتجاجات؛ بل هي تعبير عن أزمة هُوية عميقة تُغذّيها سياسات الكراهية والتفرقة.

من المؤسف أن نرى كيف أن المعلومات المُضللة أشعلت فتيل العنف، فبعد حادث الطعن، انتشرت شائعات كاذبة تدعي أن الجاني كان مُهاجرًا مُسلمًا، ما أدّى إلى تصاعد التوترات والعنف ضد المُجتمعات المُهاجرة والمُسلمة، هذا الاستخدام المُتعمّد للمعلومات المُضللة يعكس فشل السلطات في مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة، وكما قال رئيس الوزراء كير ستارمر، فإن هذه ليست احتجاجات بل «بلطجة مُنظمة». أدّت أعمال الشغب إلى اعتقال ما يقرب من 400 شخص في مُختلِف المدن البريطانيّة، من بليموث إلى بلفاست، وأُصيب العشرات من ضبّاط الشرطة، هذه الأرقام تكشف عن حجم العنف ومدى تأثيره السلبي على المُجتمع، كما تعكس أيضًا ضعف الحكومة في السيطرة على الوضع واحتواء الأزمة.

بعض السياسيين والشخصيات العامة عليهم مسؤولية كبيرة تجاه تأجيج هذه التوترات، فتصرّفات أمثال تومي روبنسون ونايجل فاراج تُظهر كيف يُمكن للكلمات أن تكونَ أشد فتكًا من الأفعال، بينما يُلقي روبنسون خطاب الكراهية من قبرص، يواصل فاراج تأجيج الشارع بتصريحاته المُثيرة للجدل التي تُبرّر العنف وتُبرزه كرد فعل طبيعي للخوف وعدم الراحة. السياسات السابقة التي انتهجتها الحكومات المُتعاقبة في بريطانيا، خاصةً تلك التي قادتها الأحزاب المُحافظة، ساهمت في تفاقم الأزمة، فقد حاولت هذه الحكومات استغلال مخاوف الجمهور من الهجرة لتحقيق مكاسب سياسيّة، ما أدّى إلى تصاعد التوترات العِرقيّة والدينيّة، وها نحن نرى اليوم نتائج هذه السياسات، حيث يخرج الغضب إلى الشوارع في مشاهد تُذكّرنا بأسوأ أوقات التاريخ الأوروبي.

أعمال الشغب في المملكة المُتحدة ليست مُجرد حادثة مُنعزلة؛ بل هي مؤشر على أزمة أعمق تواجهها المُجتمعات الغربيّة، أزمة هُوية تجعل من الصعب التعايش بسلام وتقبّل التعدديّة الثقافيّة والدينيّة، إذا استمرّت هذه السياسات المُضللة والخطابات التحريضيّة فإن مُستقبل أوروبا يبدو مُظلمًا، وستواجه المُجتمعات المزيد من الانقسامات والعنف، ما سيؤدّي إلى تفكك النسيج الاجتماعي وضياع القيم التي كانت تفخر بها هذه المُجتمعات.

الرأي الأخير:

لقد آن الأوان للغرب لإعادة النظر في سياساته تجاه الهجرة والتعدديّة الثقافيّة، يجب أن تكونَ هناك جهود جدية لتعزيز التفاهم والتعايش السلمي بين مُختلِف المُجتمعات، وعلى الحكومات أن تتخذَ موقفًا حازمًا ضد الشائعات وخطابات الكراهية، وأن تعملَ على بناء مُجتمعات أكثر شمولية وعدالة. أعمال الشغب في المملكة المُتحدة هي جرس إنذار يجب أن يوقظَ الضمائر ويدفع نحو التغيير، فالغرب بحاجة إلى مواجهة أزمة الهُوية بشجاعة وصدق، وإلا فإن المُستقبل سيحمل المزيد من الفوضى والانقسام.

(العالم لا يفسده الأشرار، بل تواطؤ الصامتين)

إلى اللقاء في رأي آخر،،،

 

كاتب شؤون دولية وقانوني قطري

 

 

Twitter:@NawafAlThani

http://www.NawafAlThani.com

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X