كتاب الراية

الباب المفتوح …. الفساد الوظيفي بين مفهوم الشفافية والنزاهة

الفسادُ الإداري هو مُصطلحٌ يُشير إلى سوء استخدام السلطة والمنصب الإداري لأغراض شخصيّة أو ماليّة، ويتمثل في مجموعةٍ من السلوكيات غير الأخلاقيّة التي تضرّ بالمصلحة العامة والمُنظمة على حد سواء.

أما النزاهة فهي مصطلح يُشير إلى الصدق والأمانة والاستقامة في السلوك والتصرّفات على المُستويين الشخصي والوظيفي، وهي تعني الالتزام بالمعايير الأخلاقيّة والقيميّة، ليست فقط التابعة للمُجتمع كعُرف، وإنما الأخلاقيات المُتفق عليها عالميًا والتصرّف بطريقة عادلة وشفافة، دون تحيّزٍ أو استغلالٍ بالمعنى العميق وليس السطحي، مع وجود معايير لقياس ذلك وآلية رقابة إلزاميّة فاعلة نشطة بشكل دائم داخل المؤسسات.

أما الشفافية فهي مُصطلح يُشير إلى وضوح المعلومات وسهولة الوصول إليها، وعدم وجود أي غموض أو سريّة بما يتعلق بالجمهور أو الموردين، في سياق العمل، والشفافية تعني كذلك أن الموظفين يجب أن يكونوا واضحين في عملهم وتصرّفاتهم، ويجب أن يتبعوا قواعد السلوك الأخلاقي والمهني، فمع تراجع الدور الرقابي يُمكن للموظف استخدام منصبه العام لمصلحته الشخصيّة أو لمصلحة أشخاص مُقرّبين منه من خلال استغلال السلطة والموارد المُتاحة له لتحقيق مصالح شخصيّة، قد تكون عبر التلاعب بالمعلومات أو تحريفها أو إخفاء المعلومات لتحقيق مصالح شخصية، إما بشكل مُباشر يُحقق فيه مصلحة مُباشرة له، أو أن يُسبب ضررًا لشخص أو جهة لم تتعاون معه، أو أن يمنع موردًا لخدمة أو سلعة من التعامل مع المؤسسة على أساس غير مهني، مُعتمدًا بذلك على رأيه الشخصي، أو منح مُقاولين آخرين أو موردين مُحدّدين لأعمال المؤسسة لتحقيق منافع مُباشرة كالرِشوة النقديّة أو الخِدمات البديلة أو عبر شركات تابعة له بشكل غير مُباشر، حيث إن مُلاحقة هذا السلوك يكون صعبًا إلى حد ما، لذلك كان تعريف الشفافية يعتمد على عنصرين، الأول الأخلاقيات، والثاني الرقابة والقانون والمُساءلة، كما يُمكن استخدام النفوذ الشخصي لتحقيق مصالح شخصيّة بالمنع أو المنح أو التجاوز أو الإيقاف أو التعليق أو الإجراءات العقابيّة غير المُبرّرة،

ويُمكن منع الموظف من استخدام منصبه العام لمصلحته الشخصيّة أو لمصلحة أشخاص مُقرّبين منه من خلال العديد من الآليّات، منها وضع قواعد سلوك واضحة للموظفين وتعزيز ثقافة الشفافية التي ذكرناها في البداية، التي تعتمد بالأساس على مبدأ توفر المعلومات للجميع، أيضًا الرقابة والمُراقبة، فمُراقبة تصرّفات الموظفين وضمان تقديم تقارير دوريّة يتم التدقيق عليها على مُستويين مُنفصلين ومُتابعتها، يُساعد في كشف الفساد والحدّ منه قبل وقوعه، ثم التدريب والتوعية للموظفين على أهمية الشفافية، وتعزيز ثقافة الشفافية مربوط بالعقوبات، وتطبيق عقوبات على الموظفين الذين يستخدمون مناصبهم العامّة لمصالح شخصيّة بشكل صارم ونافذ وشديد واستراتيجي، بحيث يعاقب من يثبت عليه الفساد بنشر فساده على كافة قواعد البيانات المُتعلقة بالعمل، ليعلم مُشغله الجديد بتاريخه المُنحرف، كما يجب على كل مُشغل أن يتأكدَ من هذه المعلومة من المُشغل السابق بشكل إلزامي، لأن الانحراف الأخلاقي مرض يحتاج لعلاج طويل المدى، كما لا بدّ من تعزيز ثقافة الشفافية داخل المُنظمات وتشجيع الموظفين على التصرّف بطريقة شفافة تحت طائلة المسؤولية، أما النزاهة فهي صفة مُهمة في جميع جوانب الحياة، بما في ذلك العمل والشؤون العامة والشؤون الشخصيّة، ومن الأمثلة على الفساد الإداري

الرِشوة، وهي تقديم أو تلقي رِشا مُقابل القيام بأعمال أو خِدمات، ولا تشمل فقط النقد المُباشر، وإنما الخِدمات وتبادل المنافع، وهذا أمر في غاية الأهمية، ثم الاختلاس، وهو سرقة أو اختلاس الأموال أو المُمتلكات العامة، وكذلك لا يشمل النقد فقط، وإنما الاستيلاء على الأصول أو الاتجار بها أو الانتفاع بها أو تبادل المنافع كذلك، أما استخدام النفوذ الشخصي لتحقيق مصالح شخصية فهو باب كبير يدخل في الموظف وعائلته وكل من يأتي من طرفه، وله عدة أبواب يُمكن تلخيصها بما حدث مع سيد الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فعن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال: (استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا على صدقات بني سليم، يُدعى ابن اللتبية، فلما جاء حاسبه، قال: هذا مالكم، وهذا هدية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهلا جلست في بيت أبيك وأمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقًا، والله لا يأخذ أحد منكم شيئًا بغير حقه إلا لقي الله يحمله يوم القيامة، فلأعرفن أحدًا منكم لقي الله يحمل بعيرًا له رغاء (صوت)، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر (تصيح)، ثم رفع يديه حتى رئي بياض إبطيه يقول: اللهم هل بلغت)، أخيرًا نقول لا يحلّن أحدًا لنفسه ما لا يحق له، فقد اتفق العُرف والقانون والأخلاق على أن الفساد واحد، وأن الفاسد فاحش لا خير فيه، فإن زاد ماله قلت بركته، وإن زاد سلطانه رخص في عيون الناس، وإن نجا من حساب الدنيا فإن أغلاله تنتظره يوم الحساب، والله من وراء القصد.

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X