همسة ود.. الطُمَأنينة والراحة النفسية
سيدة بريطانيّة عجوز تركب القطارَ من الريف إلى المدينة، والعكس كل يوم، وأثناء رحلتها في القطار تجلس أمام نافذة القطار، تفتحها بين لحظة وأخرى، وتُخرج كيسًا من حقيبتها، وترمي أشياءَ من الكيس إلى الخارج، وفي أحد الأيام، سألها أحد الأشخاص قائلًا: (ماذا تصنعين أيتها العجوز؟)، فردّت عليه: (أنا أقذف بذور الورد)، استهزأ: (بذور ماذا؟؟؟)
قالت السيدة: نعم، بذور الورد، لأني أنظر من النافذة وأرى أن الطريق موحشة، وأحب أن أسافرَ وأمتّع نظري بألوان الزهور، ضحك الرجل من كلامها وردّ عليها ساخرًا: لا أظن ذلك، فكيف للزهور أن تنموَ على حافة الطريق.
ردّت: صحيح، أعلم أن الكثير منها سيضيع هدرًا، لكن بعضها سيأتي اليوم الذي ستزهر فيه، قال الرجل: لكنها تحتاج للماء، فقالت السيدة: أنا أعمل ما عليّ، والله هو الذي سيسقيها.
نزل الرجل من القطار وهو يظن أن المرأة أصابها الخرف، ومرّت الأيام، وركب الرجل القطار وبينما هو جالس، إذا به يلمح زهورًا قد نمت على حافة الطريق وتغيّر المنظر وتعددت الألوان، فسأل بائع التذاكر عنها، فقال له البائع إن تلك العجوز تُوفيت منذ شهور، تحسر الرجل على موت العجوز، وقال في نفسه: (الزهور نمت.. لكن، السيدة العجوز قد ماتت ولم ترها). وفي نفس اللحظة وفي المَقْعَد الذي أمامه، سمع الرجل فتاةً صغيرةً تُخاطب أباها وهي سعيدة: (انظر يا أبي إلى هذا المنظر الجميل.. انظر إلى هذه الزهور، إنها جميلة جدًا)، أدرك الرجل معنى العمل الذي قامت به السيدة العجوز، فرغم أنها لم تعش لتتمتع بمنظر الزهور إلا أنها منحت هديةً جميلةً للآخرين.
علينا ألا نلتفتَ للمُحبطين ولا للحاقدين، وألا ننتظر الشكر والعرفان، ولنقدّم ما استطعنا من العمل الجميل، لذلك على الإنسان أن يعيشَ كل يوم بأمل جديد، وأن يعيش حياته دون أن ينظر للوراء، إلا للذكريات السعيدة، لذلك لا تبحث عن سعادتك في الآخرين، وإلا ستجد نفسك وحيدًا. بل ابحث عنها داخل نفسك، وستشعر بالسعادة حتى لو بقيت وحيدًا، فالأهم أن نبحثَ عن الاطمئنان الذي يمنحنا السعادة والهدوء في الحياة، فالشعور بالاطمئنان والطُمأنينة النفسيّة من مظاهر الصحة النفسيّة الإيجابيّة، فأبرز المؤشرات الإيجابيّة للصحة النفسيّة، شعور الفرد بالأمن النفسي، وهو ما يُحقق التوافق النفسي والانفتاح على الآخرين ومحبتهم، والأهم قَبولهم، والشعور بالعالم كوطن، والانتماء لهذا الكون، وإدراك العالم والآخرين بدفء وحب، لكي يستطيع الإنسان أن يعيشَ مع الآخرين بأخوة وصداقة، فقد جعل الله سبحانه الطُمَأنينة في قلوب المؤمنين ونفوسهم، قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ ألا بذكر اللَّه تطمئن القلوب).
فلنُلقِ بذورنا ووردنا، ولا يهم إذا لم نتمتّع نحن برؤية الزهور، لكن سيتمتع بها غيرنا. فلنكن سببًا في سعادة غيرنا، ولنكن ناشرين للحب والسلام.