الحب لا يُكلفنا الكثير، لكن غيابه قد يُكلفنا كل شيء، جهلنا بهذه الحقيقة جعل من مُجتمعاتنا مُجتمعات فارغة من الدفء الإنساني، مُجتمعات في حاجة شديدة إلى الحب والترابط والتواصل، نحتاج صداقات حقيقيّة بلا أغراض أو هوى، نحتاج عَلاقات حب صادقة وعميقة وغير سامة، فليس هناك ما هو أخطر على سلامة المُجتمع من غياب الحب، والسعي خلف الماديات والمصالح الفرديّة.

نعم الحب في جوهره هو مشاعر نكنّها للآخر بلا سبب، وإذا وجدت الأسباب فهو مشروع عَلاقة اجتماعيّة قد تستمر، وقد لا تفعّل بِناءً على توفر الأسباب أو انتهائها، لذا قد يُساعدك شخص ما، أو يمنحك الحب والمال والرعاية، لكنه حتمًا لا يستطيع أن يمتلكَ قلبك ويحتلّ وجدانك، فأهم ما يُميّز الحب أنه غير مشروط، لذا هو الشيء الذي لا يستطيع الأغنياء أو الأذكياء أو الوسيمون شراءه.

إذن أين المُشكلة؟ المُشكلة في أغلب الأحيان هي أننا نحب من لا يحبنا، أما علم النفس فيقول إن السبب يعود في حالات كثيرة إلى طفولة تتصف بالحرمان العاطفي ونقص التقدير من قِبل الأهل، بل إلى عَلاقة غير صحية معهم وشعور الطفل أنّه دون قيمة. فينشأ الشخص مُعتادًا على الإهمال والتجاهل، فهي معايير مألوفة لديه، ليختار فيما بعد الأشخاص الذين يلعبون بشكل مباشر على حالة انعدام الأمن هذه.

لكن هذا المُسمَّى بالحب لم يُحيّر مُتخصصي علم النفس والبيولوجيا فقط، بل حيّر الشعراء والفلاسفة أيضًا، وربما كان أكثر المقولات واقعية، رأي الفيلسوف (شوبنهاور)، عندما قال إن الحب ما هو إلا خدعة من الطبيعة لكي تُمارس الكائنات الحيّة فطرتها بغطاء رومانسي، لكن إذا كان على حق فما حاجتنا للحب؟ ولماذا لا نكتفي بنقل جيناتنا في هذا الإطار فقط؟ ببساطة جودة العَلاقة هي التي تضمن استمرار العَلاقات الأسريّة والإبقاء على سلامة النسل لفترة طويلة.

لكن الغريب أن الحبَّ أحيانًا لا يضمن استمرارية العَلاقة بل يقود إلى العنف، حين ينعدم ضمان استمرار العاشق في العَلاقة أو الارتباط بمن يحب، فيفقد صوابه، ويتحوّل من مُحبٍ ولهان إلى عدواني، والكثير من جرائم القتل خير دليل على ذلك.

فهل الحب مشاعر مُبهمة؟ أم هرمونات؟ أم تركيبة مُعقدة تجعلنا في صراع دائم ضد العقلانية ليس إلا؟!.

أنا أؤيد الأخيرة.

[email protected]