دير البلح – أ ف ب:
في مقبرة السويدي في دير البلح بقطاع غزة يضطر الحفارون لبناء «قبور فوق قبور» بسبب عدد الشهداء الكبير جراء العدوان المتواصل منذ عشرة أشهر وتعكف مجموعة منهم على تهيئة حفر مستطيلة متراصة لتؤوي الضحايا المقبلين. يعمل الحفارون تحت إشراف سعدي حسن بركة البالغ 63 عامًا وهو يركز نشاطه الآن في هذه المقبرة الممتدة على حوالى 5 هكتارات ونصف الهكتار، بعدما أضحت مقبرة أنصار (حوالي ثلاثة هكتارات ونصف الهكتار) «مليئة بالشهداء». يقول بركة «قبل الحرب كنا ندفن حالة أو حالتين أو حتى خمسة في الأسبوع، بينما ندفن اليوم ثلاثمئة أو مئتين.. شيء لا يتصوره العقل». ويؤكد أنه لا يتوقف عن العمل «من السادسة صباحًا حتى السادسة مساء كل يوم». يتقدم بركة الذي غطى الغبار جلبابه الأسود بفعل الغبار الذي يثيره الحفر طوال اليوم، فريقًا من 12 عاملًا، يعمل بعضهم على الحفر فيما ينقل آخرون الحجارة لتهيئة المدافن. ويتابع بأسى «المقبرة مليئة.. أضع قبورًا فوق قبور، ثلاثة قبور فوق بعض. أصبحنا نبني طوابق للشهداء». ويؤكد «أنا أحفر قبورًا منذ 28 سنة، مرت علينا حروب 2008 و2012 و2014… لكن لم أشهد مثل جرائم هذه الحرب». لا تنتهي محنته بانتهاء عمله اليومي إذ تلازمه صور الموتى ليلًا طاردة النوم من عينيه. ويؤكد «لا أعرف النوم بسبب مشاهد الأطفال المقطعين والنساء».
ويروي قائلًا «دفنت 47 امرأة من عائلة الطباطيبي، ضمنهم 16 كن حوامل. أي ذنب اقترفن؟». ومنذ بدء الحرب يؤكد بركة أنه دفن «اثنين أو ثلاثة تابعين لحماس»، بينما الباقون «كلهم أطفال ونساء».
ويواصل مساعدو بركة تهيئة حفر جديدة، في المساحات القليلة التي لا تزال شاغرة متصببين عرقًا تحت الشمس، تحيط بهم شواهد قبور بيضاء. وينقل زملاء لهم شكلوا سلسلة الحجارة الخرسانية، التي تضاعف سعرها بحسب بركة «من شيكل واحد قبل الحرب إلى 12 شيكلًا اليوم» جراء توقف مصانعها عن العمل لغياب الكهرباء والمواد الأولية. تشهد أكوام الأتربة الطرية على عمليات دفن تمت في الأيام القليلة الماضية، جنازات باتت تقتصر على عمال الحفر. ويقول بركة «قبل الحرب عندما يموت أي شخص كان يحضر الجنازة نحو ألف آخرين». أما اليوم «إذا جاء 30 أو 300 شهيد لا يكون معهم سوى 20 شخصًا.. شيء مؤسف»، على ما يوضح بينما تضج الأجواء فوقه بطنين المسيرات، كأنما لتذكره أن الموت يتربص بغزة.