ما أحدثته التكنولوجيا في عالمنا البشري، أمر كان في عداد الأحلام، والمُستحيل أحيانًا، لكنه حدث، ولا يُمكننا إنكار هذه الحقيقة الواضحة وضوح الشمس حين يكون الجو صافيًا.
ومعظم الأفراد، منحهم الله الفرصة ليتمكنوا من الحصول على تجرِبة هذا الابتكار الرائد بكل أطرافه وأجهزته المُختلفة، في معظم مجالات الحياة، التي لا يمكن إحصاؤها، ولم يعد الجيل الحالي وربما السابق أيضًا يستطيع الاستغناء عنها.
كل تلك التكنولوجيا التي سكنت معنا في بيوتنا، وغرفنا، ومكاتبنا، وعياداتنا، وكل مرافق الحياة، من أجلنا، نحن البشر.
هل كنا قبل ثلاثة عقود نفكر بأننا ذات يوم سوف نحمل في جيوبنا معظم احتياجاتنا بسهولة ودون أي مشقة ؟
جهاز صغير يحمل لنا ما لم نستطع أن نحمله معنا سابقًا، من أوراق ومذكرات، ودفاتر عناوين وأرقام هواتف، ومنبه وساعة، ورزنامة كاملة لأعوام عديدة مرت وأخرى في علم الغيب، وهاتف متنقل، وتلفاز، وفيديو، وكاميرا، وغيرها الكثير.
الآن وفي هذه الحِقبة الزمنيّة، لم يعد الورق مُهمًا، إلا للطباعة فقط، فقد هجر الإنسان الحالي كل ما يتعلق بتلك الأوراق المحفوظة بين الأغلفة، التي كانت ذات يوم تحمل أفكار المُفكّرين والعلماء في كل أنحاء العالم، والتي حفظت لنا كل ما توصل إليه السابقون من معرفة وتجارِب واختبارات، وتمَّ نقلها من لغة لأخرى، وعلى الورق، منذ ما يزيد عن الألفين من الأعوام.
الأوراق أصبحت تُشكّل لهذا الإنسان الحديث مشكلة صعبة، بسبب الأوزان، والسعي جسديًا للحصول عليها، وارتياد دور الكتب العامة والخاصة من أجل الحصول على المعلومات والبحوث، والدرجات العلميّة، وغيرها. جهاز واحد أصبح يحمل العالم كله بين جوانبه، وليست هذه هي النقطة الهامة هنا، إنما ما يسعى إليه المُطوّرون والعاملون في مجال التكنولوجيا من تطويرات جديدة، ومستحيلة أحيانًا، خاصة أن الإنسان الحالي أصبح يعتمد على تلك الأجهزة أكثر من اعتماده على مثيله من البشر، بل أصبح يطمع في الوصول إلى ما لم يفكر فيه بشري في العقود السابقة.
ربما يفكر الإنسان المُعاصر حاليًا في أن تتمكن التكنولوجيا الحديثة من القضاء على كل الأمراض والآفات التي يتعرض لها الإنسان على هذه الأرض، وأن تتمكن تلك الأجهزة من إطالة الأعمار للبشر إلى عما هي في عصرنا الحالي، وأن يتمكن الفرد بضغطة زر، من أن يجد نفسه في مكان آخر عن المكان الذي كان به قبل لحظات، وأن يصل للفضاء بأسرع مما تصل إليه الطائرات الحالية إلى أقصى المعمورة، وأن يتمكن الإنسان من تحديد جيناته وموروثاته دون تدخل من البشر. أحلام وأحلام، ولكن هل سيتوصل هذا الإنسان (الجشع) إلى تحقيق كل تلك الأحلام ؟.