بعد قرونٍ من العبودية، بما عُرف بتجارة الرق، وما تخللتها من ثورات اعتبرت في حينها تمرّدًا على فئة أرستقراطية مكنتها ظروفها الاقتصاديّة من تملك العبيد وتسخيرهم للعمل في ظروف صعبة حرمتهم من التمتع بالحرية والعيش الكريم، وفي ظل يقظة الشعوب، بدأت تجارة الرقيق تتراجع نتيجة ما اتخذته المُنظمات الدوليّة من توصيات وقرارات تحرّم الرق وتدعو لطيّ صفحته غير المُشرفة من تاريخ البشريّة، حين يستعبد الإنسان أخاه الإنسان، إلى أن اختفى الرق أو كاد بشكله التقليدي ليتخذ أشكالًا أخرى فرضتها الفروق الاجتماعيّة والاقتصاديّة بين الأغنياء والفقراء.
ومما يذكره تاريخ القضاء على الرق ما حدث في ليلتي الثاني والثالث من شهر أغسطس عام 1791 في سانت دومينيغ، المعروفة اليوم باسم تاهيتي، حين اندلعت ثورة لعبت دورًا محوريًا في القضاء على تجارة الرقيق، حينما قاد العبيد تلك الثورة المُسلحة ضد البريطانيين، لكنها لم تكن ناجحة، وقد تم سجن قادتها وإعدامهم، ما أدّى إلى استمرار الصراعات بين العبيد والبريطانيين الذين نقلوا هؤلاء العبيد إلى جزيرة من المناطق المُجاورة أثناء حكمهم لها.
ويتم الاحتفال في 23 أغسطس من كل عام، باليوم العالمي لتذكر مآسي الاتجار بالرقيق ثم إلغائه، لترسيخ ذكرى مأساة الاتجار بالبشر في ذاكرة الشعوب، كي يوفرَ هذا الاحتفالُ فرصة الإحاطة الجماعيّة بهذه المأساة التاريخيّة وأساليبها وعواقبها، إضافة إلى تحليل وتفسير التفاعلات التي أدّت إليها بين إفريقيا وأوروبا والأمريكتين، عندما كانت حقول الزراعة تعتمد على العبيد، ما أدّى إلى انتشار تجارة الرقيق واتساع المساحة التي احتلتها هذه التجارة، حتى تفاقمت العبودية، واستمرّت الثورات في هذه الأجواء المأساوية، ما سُمّي بالتمرّد الذي قوبل بالقمع الشديد من قِبل ملاك الأراضي الزراعيّة ووكلائهم.
يوم 23 من أغسطس هو للتذكير بهذه المأساة الإنسانيّة، التي أدّت إلى ازدهار تجارة الرقيق على حساب الضحايا الذين حُرموا ولقرون عديدة من أبسط حقوق الإنسان.
ومع انتهاء تلك العصور من العبودية، ما زال الإنسان في العصر الحديث يُمارس العبودية على نفسه وبطوعه واختياره، وذلك بالارتهان الطوعي لفئات أو مُنظمات أو أحزاب تتحكم في مصيره وتستغله لتحقيق أهداف مشبوهة، سببت كثيرًا من المآسي والحروب المُدمرة، ما يعرقل نهضة الدول ويخرب اقتصادها ويقودها للخلف عقودًا من الزمن، رغم كثرة ما يقال عن حرية الفرد واستقلاله، ورغم ما يقال عن سلام العالم وأمنه.
إن كانت العبودية القسرية قد انتهت من حياة الناس، فقد خلفتها العبودية الطوعية التي تستلب من الإنسان حريته عندما يرمي نفسه في أتون التبعية المُطلقة لغيره من الساعين للشر بجميع أنواعه وأشكاله، بعد أن باعوا أنفسهم للشيطان.