تساؤلات يطرحُها أبناؤنا عندما يقرؤون في سير علماء العرب والمسلمين، في العصور القديمة والوسطى منذ مئات السنين، ومنهم: أبو بكر الرازي، ابن سينا، ابن خلدون، ثابت ابن القرة، وغيرهم كُثر في مختلف البلدان والأقاليم العربية والإسلامية.
كيف تسنَّى لهؤلاء العلماء أن يكونوا منارات علم يرجعُ لها العلماء والباحثون من مشارق الأرض ومغاربها للاستزادة والاستفادة مما تضمنته مؤلفاتهم من علوم ومعارف مُنوعة؟ رغم صعوبة الحياة وبدائية الوسائل المُعينة، ومع ذلك كانوا يتنقلون من مكان لآخر بحثًا عن المعلومة من مصادرها.
ما يثير الفخر والإعجاب والاعتزاز بالتراث العلمي الذي أثرَوْا به التاريخَ الإنساني، أن علومهم لم تقتصر على مجال واحد، فقد أبحروا بعبقريتهم واجتهادهم وشغفهم للعلم في مُختلف بحور العلم، من طب وعلم اجتماع، وقانون وفلسفة تاريخية وسياسية، وعلوم شرعية، واقتصاد وعلوم الفلك وأضافوا إليها الكثير من واقع ممارساتهم وتجاربهم العملية، وتناقلت سيرَهم ومؤلفاتِهم وإبداعاتِهم شعوبُ الأرض قاطبة.
رغم إنهم عاصروا أزمانًا كانت وسائل الكتابة فيها يدوية بسيطة من محبرة وأقلام بدائية، كالريشة وأقلام القصب التي تُغمس في الحبر عدة مرات ليتمكنوا من إنجاز ما يريدون كتابته، وما يتطلبه ذلك من جهد ووقت، كانوا يسهرون الليل على ضوء الشموع والفوانيس بسيطة الصنع، ويواصلون في النهار، لا كهرباء ولا مطابع، ولا تكنولوجيا مساعدة متطورة كالتي نشهدها الآن.
تساؤلات الأبناء محورُها كيف يتسنَّى لشخص واحد أن يُلم بكل هذه العلوم والمعارف ويؤلف فيها رغم صعوبة الوسائل والطرق المُوصلة للتعلم، خلاف ما نراه في العصور الحديثة من وسائل متطورة كان لها دورها هي الأخرى في عمليات التأليف والطباعة والنشر.
العقلُ والذكاءُ البشري معطاءان، ولكن العلوم بتشعباتها المتعددة اقتصر معظمُها على التخصص في علم معين والإبحار فيه، مهما بلغت درجة ذكاء المؤلف وخلفيته العلمية
ورغم تقدم العلوم والابتكارات وتعدد المؤلفات وتنوعها ووصول الإنسان للفضاء، لا زالت مؤلفات علماء العرب والمسلمين على اختلافها مرجعية علمية غنية على مر العصور، لذا من الأهمية تسليط الضوء على سير هؤلاء العظماء المتميزين في علمهم، ليكونوا قدوة للأجيال القادمة يسيرون على نهجهم في حب التعلم والجد والاجتهاد في البحث والتأليف لما فيه خير البشرية.