عجبت من بعضِ الناسِ الذين يضعون الأمورَ في غير مواضعها، ويفهمون الأحداث والأشياء وبعض المواضيع على نحو خاطئ، وربما يُفسّرون الدينَ على حسب فَهمهم وآرائهم وأهوائهم، ويظنون أن لهم الحق في تفسير بعض الآيات والأحاديث النبويّة من منظورهم وتصوّرهم الشخصي وعقولهم القاصرة دون الرجوعِ إلى العلماء الذين أكرمهم اللهُ بالفَهم العميق والعلم الدقيق في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، فالإنسان إذا أراد أن يبنيَ بيتًا فإنه بلا شك سيذهب للمُهندسين المعماريين والاستشاريين في مجال البناء والإعمار، وكذلك في كل تخصص، وفي كل علم له علماؤه وأساتذته، فالاقتصاد له علماؤه، والسياسة لها علماؤها ومُنظروها وأساتذتها، والتجارة لها علماؤها وأساتذتها، والحروب كذلك لها قادتها والعارفون بها المُخططون لها، وكذلك العلوم الأخرى، مثل الأدب والفلسفة وعلم الاجتماع وغيرها من العلوم الكثيرة، فكل مجال له مُتخصصوه وعلماؤه. وكذلك الدين والشرع والفقه، والدعوة لها علماؤها ومُتخصصوها، ولا يجوز أن يتكلمَ الإنسانُ في علمٍ لا يفقهه، وليس عنده علم منه، فكيف بالدين الذي هو دين الله (إن الدين عند الله الإسلام)، فيأتي إنسان يفتي ويتكلم في الدين بعقله ورأيه وهواه، وهو ليس من علماء هذا المجال، لأن الإنسان يحتاج إلى معرفةٍ وفَهمٍ ودراسةٍ وتدبرٍ للقرآن والسنة، ومعرفة علمية مُتجرّدة من الأهواء والآراء البشريّة، ولا بدّ أن تكون لديه معرفة في علوم القرآن وعلوم الحديث وعلوم الدين الأخرى، لكن بعض الناس تجده إذا حفظ بعض الآيات وبعض الأحاديث وقرأ كتابًا في الدين أو سمع بَرنامجًا دينيًا أو استمع إلى مُحاضرةٍ دينيةٍ ظنّ أنه فهم الدين وصار عالمًا أو طالبًا في العلم، وظن أنه عَلِم مقصود الله ورسوله، فصار يفتي ويتكلم وينظّر ويفسّر بدون علم ولا هدى من الله، فتجده يفسّر بعض المفاهيم تفسيرًا خاطئًا، فيجعل البُخل اقتصادًا، أو الاقتصاد بخلًا، ويجعل الذل عفوًا، أو العفو ذلًا، ويجعل تطبيق السُّنة تشددًا وتزمتًا، وترك العمل بالأسباب توكلًا، ويجعل تطبيق الشعائر الدينيّة والأوامر الشرعية تضييقًا ورجعيةً، ويجعل عصيان الزوجة لزوجها حريةً، وطاعتها لزوجها عبوديةً وذلًا، ويجعل الغش وخداع الناس وأكل حقوقهم بالباطل ذكاءً وحنكةً، وغيرها من المفاهيم، فهذا الفَهم بلا شك فَهم خاطئ وغير صحيح ومُجانب للصواب، وينمّ عن قلة العلم والفَهم والسطحية في معرفة الدين والحياة والواقع.
فإذا أردنا أن نفهمَ الدينَ وكذلك الواقع فهمًا صحيحًا فلا بدّ أولًا أن نتجرّدَ من أهوائنا وتوجهاتنا، ولا نفسّر القرآن والسنة والواقع على حسب آرائنا، بل لا بدّ من الرجوع إلى كلام الله ومقصوده، وكذلك كلام نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، ثم فَهم العلماء الربانيين الصادقين الراسخين في العلم، ونفهم الآيات والأحاديث من خلال علماء التفسير وشرّاح الحديث من العلماء، فمن تجرّد من هواه، وفقه اللهُ للصوابِ، قال الله عزَّ وجلَّ (ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله)، وقال تعالى (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)، ودواء الجهل السؤال.