بقلم / رندة تقي الدين

 

 

تروي المسؤولة في برنامج الأمم المتحدة للتنمية «شيتوز نوغوشي» في حديث خاص لصحيفة لو موند الفرنسية، ما شهدته من كارثة إنسانية صحية في قطاع غزة خلال زيارتها في الأسبوع الأول من أغسطس. وصفُها للوضع في غزة يفوقُ التصور لوحشية الحرب الإسرائيلية وآثارها الصحية على شعب غزة. ندَّدت المسؤولة بخطورة أزمة النفايات، وآثارها السيئة على الساحة الصحية الفلسطينية من أمراض تنفسية إلى إسهال أو التهاب في الكبد Hepatite A مع ظهور شلل الأطفال (polyomelite) الذي أصاب رضيعًا عمره ١٠ أشهر، مرضٌ لم تشهده غزة حسب الأمم المتحدة منذ ٢٥ عامًا. روت المسؤولة أنها زارت غزة للتأكد من الاحتياجات المُلحة ووضع استراتيجية برنامج الأمم المتحدة للمتابعة. فشهدت نظامًا منهارًا لمعالجة النفايات الصلبة، ومع تراكم النفايات كان الوضع كارثيًا. وقالت إنها ذهبت إلى خان يونس في الجنوب ودير البلح في الوسط لأنه لا يمكن للأمم المتحدة الدخول إلى الشمال حيث يتطلب ذلك إذنًا خاصًا من المسؤولين الإسرائيليين.
لقد تراكمت نفايات ١٤٠ مكبًا منذ بداية الحرب، فانتشرت الروائح الكريهة والفئران، وتحللت النفايات المتراكمة منذ أشهر قرب الخيام. وتقول إنها شهدت في دير البلح نفايات طبية من حقن إلى قفازات، ولا مياه للسكان ليغتسلوا، ومع هذا فالقصف مستمر ما يعرقل أي محاولة لجمع النفايات.هذا الوصف لوضع مأساوي مُزرٍ وخطير مهين لعالم عربي يشهد ذلك منذ أشهر، وهو عاجز عن الرد على مثل هذه الوحشية، اللا إنسانية التي تخيم على منطقة عربية فيها مليونان ونصف المليون فلسطيني، إذا بقي الصغار على قيد الحياة سيتحولون إلى ثوار تنتابهم كراهية ليست فقط لإسرائيل وحلفائها في الغرب الذين يقتلونهم، بل أيضًا تُجاه بعض الدول العربية التي لم تضغط على حلفائها في الغرب لتغيير هذا الوضع.
الضغط على إسرائيل لا يمكن أن يكون فعالًا دون معاقبة. لكن مَن في الغرب يعاقب إسرائيل؟!. أمَّا وقد وصفت المسؤولة عن برنامج الأمم المتحدة للتنمية حقيقة الوضع الخطير، فمِن المُنتظر أن تلجأ إسرائيل كما فعلت مع الأونروا إلى الأكاذيب للقول بأن الأمم المُتحدة مؤيدة لحماس. فعندما وصف رئيس الأونروا فيليب لازاريني ما يجري في غزة طلبت إسرائيل طرده ومنعته من الإقامة على الأرض، فانتقل إلى الأردن وصعبت عليه الحصول على تأشيرات الدخول إلى غزة. ثم اتهمت الأونروا بأنها معقل لحماس. لكن رغم كل هذه الادعاءات من الصعب على إسرائيل أن تُخفي ما تقوم به. فإن اعتقدت أنه بقتل الصحافيين الفلسطينيين الشجعان والشباب وطرد كبار مسؤولي الأمم المتحدة ومنعهم من تقصي الحقائق فقد فشلت. العالم بأسره يعلمُ ما يحدث في غزة . الأطباء الشجعان الذين عملوا في القطاع يشهدون الكوارث الإنسانية التي يعالجونها.
إن مشاهد أطفال غزة الجرحى والمصابين لا تطاق. كيف يقبل الإسرائيليون أن يتعرض الشعب الفلسطيني إلى هذه المعاملة الوحشية. كان من المفروض أن ينتفض الإسرائيليون ضد نهج القتل. أما الأوبئة والأمراض التي تنتشر في القطاع فقد ترتد على القوات الإسرائيلية الموجودة في غزة، وأيضًا على الإسرائيليين فهو ليس بمنأى عن جنوده. صحيح أن إسرائيل لديها كل الوسائل المتقدمة لمكافحة الأوبئة والأمراض لكن ترك الشعب في غزة في مثل هذه الظروف لا يمكن إلا أن يؤثر على الإسرائيليين بشكل أو بآخر. و يركز العالم على ما حدث في ٧ أكتوبر في إسرائيل كأن ليس قبل ٧ أكتوبر أي معاناة للشعب الفلسطيني أدت إلى حصول مثل هذا الهجوم الكارثي فقبل ٧ أكتوبر وبعده مأساة الشعب الفلسطيني تبدو كأنها لن ترى حلًا.

 [email protected]