هذه الحياةُ التي نعيشُها على على هذا الكوكب قصيرة، ولكننا نراها حياةً طويلةً وهي في الحقيقة عكس ذلك تمامًا، فالذي خلقَ هذه الحياة الدنيا هو الذي أخبَرنا، وقال لنا إنها قصيرة. قال اللهُ تعالى (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا)، وقال سبحانه (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ)، كأن الإنسانَ يومَ يرى الآخرة وعظَمَها سيعلمُ حينها أنّ حياتَه في الدنيا كانت قصيرة جدًا بالنسبة للآخرة، ولكن الذي يجعلُ الإنسانَ يرى الدُّنيا طويلةً هو انشغالُه بها ونظرته إليها، وإلى زينتها وجمالها، وطمعُه في نعيمها وجريهِ خلف الآمال الزائفة الكاذبة والأماني الخادعة، وأنه سيفعلُ كذا، ويجمع من المال كذا، وسيعمل أشياء كثيرة، لكنه يكتشف أنه يذهبُ من الدنيا ولم يحقق إلا القليل من طموحاته وآماله وأمانيه في الدنيا، وأنه كان يركضُ خلف سرابٍ ولذلك شبه الله مكوثَ الإنسان في الدنيا كأنه عاشَ ساعة واحدة من النهار، عندما يسأل اللهُ الإنسانَ يومَ القيامة: كم عشتَ في الدنيا؟ وكم لبثتَ فيها؟ فيجيبُ الإنسانُ أنه عاش فيها يومًا أو بعضَ يوم من شدة قصرها، يعني بضع ساعات معدودات لذلك يحتاجُ الإنسانُ إلى التفكير دائمًا كيف يستفيدُ من عمره في دينه ودنياه ويملأ ساعات وقته بما يعودُ عليه بالنفع في الدنيا والآخرة.
فالإنسانُ كثيرًا ما يغفلُ عن آخرتهِ ويفكرُ دائمًا في دنياه، يفكر في عمله وكيف يصل إلى درجة كذا، وكيف يصل إلى ذلك المنصب، أو تلك المكانة أو السلطة، ويفكر في رزقِهِ، ورزقُه أصلًا مكفول، فالتفكير دائمًا في الأشياء الدنيوية يُنسيه الآخرة ويُضعفُ إيمانه، ويُضعف يقينه وتوكله على ربه، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم كان دائمًا في طاعة ربه مُبلغًا لرسالته داعيًا إليه، همُّه الآخرة، ومع ذلك فالنبي صلى الله عليه وسلم لم ينسَ نصيبَه من الدنيا، فكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبًا وزوجًا، يصوم ويُفطر، وينامُ ويقومُ الليل، ويحزنُ ويفرحُ ويختلي بربه، ويجتمع بالناس و يخالطهم ويصبر على أذاهم، فينبغي للإنسان أن يوازن بين دينه ودنياه وآخرته، ويجعل أكثر وقته لآخرته لأن الآخرة خيرٌ وأبقى من الدنيا الزائلة الفانية (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا).