أغرب القصص هي التي تقف منها في عجب من تفكير ابن آدم مقارنة بقدرة الله سبحانه وتعالى، منها مثلًا أﻛﺒﺮ أﻏﻨﻴﺎء الوطن العربي في ذلك الوقت اسمه إميل البستاني، عندما كبر أﻧﺸﺄ لنفسه ﻗﺒﺮًا ﻓﻲ أﺟﻤﻞ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻣﻄﻠﺔ ﻋﻠﻰ عاصمة بلاده كي يكون قبرًا فاخرًا يليق به وبما يملكه من أموال، وكانت ﻟﻪ ﻃﺎﺋﺮة ﺧﺎﺻﺔ وﻗﻌﺖ به ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺮ، دُﻓِﻌَﺖ اﻟﻤﻼﻳﻴﻦ من تلك الثروة لاﻧﺘﺸﺎل ﺟﺜﺘﻪ.
وقد ﻋﺜﺮوا ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺎﺋﺮة ﻓﻘﻂ، وﻟﻢ ﻳﺘﻤﻜﻨﻮا ﻣﻦ اﻟﻌﺜﻮر على اﻟﺠﺜﺔ ﻛﻲ ﺗُﺪﻓﻦ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻘﺒﺮ اﻟذي بناه!
وقصة أخرى لأﺣﺪ أﻛﺒﺮ أﻏﻨﻴﺎء ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ، من عائلة معروفة هناك ﻣﻦ ﻛﺜﺮة ﺛﺮوﺗﻪ ﻛﺎن أﺣﻴﺎنًا ﻳُﻘﺮض اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺔ من ﺧﺰينته اﻟﻤﺎﻟﻴﺔ أو ما نسميه «التجوري» ﻏﺮﻓﺔ ﺑﺄﻛﻤﻠﻬﺎ من الذهب والأموال والمجوهرات.
دﺧﻞ ﻣﺮة إﻟﻰ ﺧﺰاﻧﺘﻪ وأﻏﻠﻖ اﻟﺒﺎب ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎﻟﺨﻄﺄ، ﺻﺎح ﺑﺄﻋﻠﻰ ﺻﻮﺗﻪ لكي يفتحوا له الباب، لكن ﻟﻢ ﻳﺴﻤﻌﻪ أﺣﺪ وكان ذﻟﻚ في ﻗﺼﺮه الكبير، وﻣﻦ ﻋﺎدﺗﻪ أن ﻳﻐﻴﺐ ﻋﻦ اﻟﻘﺼﺮ فترة من الوقت، ﻓﻠﻤﺎ ﻏﺎب ﻋﻦ أﻫﻠﻪ ومَن حوله، ﻇﻨﻮا أﻧﻪ ﺳﺎﻓﺮ كعادته، فصار ﻳﺼﺮخ وﻳﺼﻴﺢ وﻳﺼﻴﺢ إﻟﻰ أن أدركه اﻟﺠﻮع واﻟﻌﻄﺶ، ﻓﺠﺮح أﺻﺒﻌﻪ، وﻛﺘﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺪلر: «أغنى إنسان يموت جوعًا وعطشًا» ، وﻟﻢ ﻳﻜﺘﺸﻔﻮا ﻣﻮﺗﻪ إﻻ ﺑﻌﺪ أﺳﺎﺑﻴﻊ.
حياتنا أقدار مُقدَّرة قد يسمح لنا الخالق سبحانه بنسبة من الاختيار لكي ندرك معنى الحياة، وحقيقتها فهي اسمها دُنيا، مهما سما المقام وزادت الأموال، تجري الأحداثُ وﻻ ﻧﺪرك ﻣﻌﻨﺎﻫﺎ، أين نقطة النهاية، ﻣﺘﻰ وﻛﻴﻒ وإلى أﻳﻦ؟ الإنسان ﻳُﺴﺎﻓﺮ وﻳﺮﺟﻊ، ﻳﺬﻫﺐ ﻓﻲ ﻧﺰﻫﺔ ويعود إﻟﻰ اﻟﺒﻴﺖ، أﻣﺎ إذا ﻣﺎت ﻓﻼ ﻋﻮدة، ﻫنيئًا ﻟﻤﻦ يعمل العمل يرجو فيه رضا ربه وﻳﺤﺮص أن ﻻ ﻳﻈﻠﻢ أﺣﺪًا، وﻻ يكره أﺣﺪًا، وﻻ ﻳﺠﺮح أﺣﺪًا، وﻻﻳﺮى ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻮق أﺣﺪ.
ﻓﻜﻠﻨﺎ راحلون وتبقى لنا بين الناس الذكرى الطيبة والعمل الصالح من صدقة أو قضاء حاجة نقدر عليها للناس، أو كفالة يتيم أو أرملة، حينها لا يهم أين ينتهي بك المطاف فالكنز تحمله معك إلى الآخرة.