بقلم / وردة محمود رضوان- فلسطين

 

في ليلة الرابع والعشرين من شهر ديسمبر الماضي، في بيتي المتواضع الذي كان يضج بالنازحين.. بضحكاتهم وخلافاتهم وممازحاتهم بدأت هذه الليلة بعشاء متواضع في صالون بيتي جمع الخالة والأطفال وفي غرفة الضيوف كان هناك مجموعة من أولاد وبنات أخواتي الغاليات، يتسامرون ويلعبون ويضحكون وجزء آخر من العائلة يجلس في الغرف المُتبقية يتبادلون أطراف الحديث وبينما أنا وزوجي وآخرون نجلس في غرفتي سمعنا وبدون سابق إنذار صوت الطائرات مسرعة، وكأنها متجهة نحونا وفوق رؤوسنا وبعد ثوان معدودة سمعنا دوي الانفجارات الصاروخية الثلاثة،

وفجأة انطفأ نور بيتي، وصمت الجميع وعم الظلام أرجاءَ البيت، وبدأ صراخ الأطفال والكبار وما كان مني إلا أن تمالكت نفسي، فأنا بخير ولا أعلم شيئًا عن كل من في البيت حتى أولادي، تحركتُ مُسرعة إلى خارج غرفتي وإذ برائحة البارود تملأ البيت، والغبرة السوداء بدأت تزول، فرأيت الجثث على الأرض والجرحى يتساقطون ويصرخون نزلت إلى الشارع أصرخ بأعلى صوتي للحصول على المُساعدة ونقل الجميع إلى المُستشفى الذي كان يعج بالشهداء والجرحى بسبب القصف المستمر، على مربعات سكنية بالكامل انتظرت وحيدة أمام غرفة الاستقبال لدقائق معدودة، خرج الطبيب وقال لي: عظم الله أجركم، الفتاة الشابة ابنة أختي التي في مقتبل عمرها فارقت الحياة وارتقت شهيدة، ورجع الطبيب إلى غرفة الاستقبال، وبقيت وحيدة أدعو الله، وفجأة رأيت الطبيب يتجه نحوي، ويخبرني مرة ثانية عظَّم الله أجركم شِدُّوا حيلكم، وغادر مسرعًا، يا ويحي يا مصيبتي، كيف أتصرف صدمة كبيرة ومُرعبة، ماذا يحدث؟ لا أعرف ولا أريد أن أصدق وفجأة يقطع تفكيري الطبيب مرة ثالثة ويقول لي تعالَي لتتسلمي الجثث، خذيهم إلى الغرفة المجاورة ليتم تكفينهم وغادر مسرعًا، يا ويلي يا مصيبتي كيف حدث هذا؟ ماذا عن الباقين كيف أولادي، لا أعلم شيئًا سوى أنني مسؤولة عن جثتين لفتاتين في مقتبل العمر، تسلمت الجثث وتم تكفينها، والآن حان الوقت للذهاب بهم إلى ثلاجة الموتى يا الله، يا رب اربط على قلبي بالصبر، وكأنني في كابوس، ذهبت بهم وسلمتهم لثلاجة الموتى وجلست في ساحة المُستشفى لأستقبل الجرحى، وأكمل معهم إسعافهم في هذه الليلة المرعبة المخيفة. فاللهم يا مجيب السائلين، ويا غياث المستغيثين، أنت أعلم منا بالحال وبالسؤال، يا رب.