بقلم/ فيصل مكرم:

 الحرائق المشتعلة في منطقة الشرق الأوسط لا تكاد تتوقف أو يهدأ لظاها حتى تُستأنف من جديد أقوى عنفًا وأكثر دمارًا، معظم الحروب والصراعات التي وقعت على مستوى العالم في العصر الحديث انتهت بالسلام والتعافي، وتحولت تلك الحروب إلى تجارب مريرة ودروس تستفيد منها الشعوب، وتعمل على تجنب تكرار مآسيها الإنسانية وأثمانها الباهظة التي تدفعها الدول والشعوب على حساب استقرارها وتنميتها وازدهارها الحضاري في كل المجالات الإنسانية والصناعية وتكنولوجيا الإنتاج والتطور، ورغم أن الصراعات والحروب وتباين المصالح لم تتوقف بشكل كامل على امتداد خريطة العالم، إلا أن منطقة الشرق الأوسط تبقَى الأكثر سخونة والأكثر قابلية لديمومة تلك الحروب والمنازعات سواء على الصعيد الداخلي أو بين الدول القاطنة على هذه المنطقة المهمة والحيوية من العالم.

وما يهمنا هنا هو العالم العربي في الشرق الأوسط الكبير، فمنذ النكبة الفلسطينية وقرار التقسيم للأمم المتحدة عام 1948 أصبحت إسرائيل مسؤولية أمريكية بامتياز، فيما تمارس الدول الغربية دعمها لإسرائيل ككيان محتل للأرض الفلسطينية تحت جناح واشنطن، ومع اندلاع الحرب الباردة مطلع خمسينيات القرن الماضي قدم زعماء إسرائيل أنفسهم وكيانهم المحتل كقاعدة عسكرية واقتصادية متقدمة في المنطقة بحجة مواجهة التمدد الشيوعي للاتحاد السوفييتي ومنع توسّعه في منطقة المصالح الغربية، وبعد سقوط المنظومة السوفييتية باتت إسرائيل تقدم نفسها للغرب كمحارِبة للإرهاب بالنيابة عنهم، وبالتالي وتحت هذه الأكذوبة ترتكب حكومات الاحتلال كل الجرائم بحق الشعب الفلسطيني والتمرد على قرارات الشرعية الدولية والقوانين الإنسانية بحماية وحصانة أمريكية تشمل تعهدًا بتحقيق التفوق العسكري والاقتصادي للكيان المحتل على جميع الدول العربية التي تدعم حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية وتعتبر القضية الفلسطينية قضية قومية عربية، كما عملت إسرائيل بدعم أمريكي وغربي على إشعال الحرائق والمنازعات والاضطرابات في الدول العربية وفيما بينها لإضعاف هذه الأمة، وباتت تدير هذه الحرائق وفقًا لمصالحها ومشروعها القائم على إبادة الفلسطينيين ومصادرة أراضيهم وتهجيرهم من قراهم وأراضيهم لصالح المستوطنين الذين جلبتهم المؤسسة اليهودية من كل بقاع العالم إلى ما تطلق عليه الوطن الموعود الذي يمتد من النهر إلى البحر.

وللأسف نجحت إسرائيل خلال العقود الماضية وحتى اليوم في تغذية الخلافات العربية-العربية وإفشال كل مشاريع التضامن العربي، وعملت بمساعدة ودعم واشنطن والغرب على إثارة الحروب والمنازعات التي دمرت جيوشًا ودولًا عربية عريقة، وأثرت هذه الاضطرابات والحروب الأهلية بصورة مباشرة على الدول العربية المستقرة والثرية وبالتالي تضييق خياراتها بين مصالحها وأدوارها ذات الطابع القومي العربي الذي يشكل خطرًا وجوديًا بالنسبة لإسرائيل، وما نشهده اليوم من حروب ونزاعات في العديد من الدول العربية وانهيار التضامن العربي هو مخطط إسرائيلي غربي ساهم العرب بخوفهم وضعفهم في تحقيقه، حيث تم تدمير أهم الجيوش العربية، ويتم تدمير مؤسسات التعليم مع انهيار مقومات الدول بتفشي الفقر والبطالة وتغذية التطرف بكل أشكاله وإثارة الفتن المذهبية والجهوية في العالم العربي وتفجير الأزمات الاقتصادية والسياسية في دول شبه مستقرة ما يتيح لإسرائيل ارتكاب جرائمها البربرية بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وفي الضفة الغربية والقدس بهدف القضاء على القضية الفلسطينية فلسطينيًا وعربيًا ودوليًا وهي جرائم إبادة جماعية لشعب يستحق إقامة دولته على أرضه والحياة بكرامة وسلام.

صحفي وكاتب يمني

[email protected]

@fmukaram