بقلم/ سامي كمال الدين:

 في ذكرَى رحيل نجيب محفوظ نتذكر، بعيدًا عن الأدب، رؤيته لرؤساء مصر، فمن مفارقات القدر أن يعايش الروائي العربي الوحيد الحاصل على جائزة نوبل في الأدب ثلاثة من الرؤساء الذين حكموا مصر بعد جلاء الاحتلال البريطاني الذي عاصره، وعلى الرغم من وقوعه في هوى سعد زغلول، بل وجعله ملهمًا له في العديد من رواياته، رغم أنه لم يقدر له أن يلتقيه في حياته، إلا أن رؤساء مصر الذين تعاقبوا عليها بعد ثورة يوليو كانت لهم مع نجيب محفوظ آراء وحكايا، رواها لرجاء النقاش.

يرى محفوظ أن «أخطاء عبد الناصر كثيرة، ولكنّ خطأه الأكبر الذي أثار غضبي عليه هو أنه أضاع فرصة تاريخية نادرة لينقل مصر نقلة حضارية هائلة، أشبه بما حدث في اليابان بعد الحرب العالمية الثانية. كانت كل الظروف مهيأة له، وكنا نأمل منه الكثير الذي نتمنى تحقيقه على يديه، ولكنه أضاع الفرصة، بمعاركه الكثيرة التي خاضها».

وفي التاريخ الإنساني تجد أن لكل بطل تراجيدي «مأساوي» نقطة ضعف تكون سببًا في القضاء عليه، وكانت نقطة ضعف عبد الناصر هي عدم إيمانه بالديمقراطية والحوار واستئثاره بالسلطة وضيق صدره بالرأي الآخر. ولو أقام عبد الناصر أي نظام ديمقراطي، حتى ولو كان مجلس شورى مقننًا، بمعنى أن يؤخذ فيه برأي أغلبية الأعضاء، ولا يكون مجرد مجلس استشاري يستطيع حله عندما يريد. لو أقام عبد الناصر هذا النظام «شبه الديمقراطي» لتجنبنا الدخول في ذلك الصدام مع القوى الدولية.

أما الرئيس أنور السادات فكان لنجيب محفوظ انطباع عنه مع مجيئه لحكم مصر «كانت انطباعاتي عن السادات سيئة منذ توليه السلطة بعد عبد الناصر، وظلت تلك الانطباعات كما هي لم تتغير حتى كانت أحداث 15 مايو 1971، حيث اكتشفت خلالها أن هذا الرجل داهية، وليس سطحيًا كما تصورت، وأنه أشبه بالشخص المستضعف في أفلامنا السينمائية القديمة، والذي يفاجئ الناس بأفعال لم يتوقعوها منه. والحقيقة أنني أيدت السادات فيما أقدم عليه من أفعال وقتذاك، مثل: هدم السجن الحربي وحرق الملفات الأمنية وتصفية مراكز القوى التي كنت أرتبط مع بعض أفرادها بصداقة، واقتنعت بكل ما قاله السادات عنهم من أنهم السبب المباشر في الأزمة التي مرت بها مصر، وأنهم أساس الخوف والرعب الذي عاش فيه الناس لسنوات طويلة. ورغم أنني لم أتعرض لأذى من مراكز القوى هذه بصورة مباشرة، إلا أنني كنت مع أي خطوة في سبيل الحرية والديمقراطية. لقد اعترضت على ما قيل من أن «15 مايو» هي ثورة مضادة للناصرية، وأنها رِدة على مبادئ ثورة يوليو، بل اعتبرتُها تصحيحًا لسلبيات ثورة يوليو، خاصة أن السادات لم يحاول المساس بالإنجازات التي قامت بها. فلم يلغ مجانية التعليم أو القطاع العام أو الإصلاح الزراعي، بل كان انقلابه منصبًا على الأسلوب الديكتاتوري في الحكم. ولذلك غفرتُ له الطريقة التآمرية التي أدار بها الأحداث، لأن الطرفين كانا في حالة تربص، ونجح السادات في أن «يتغدى» بالسياسيين السابقين في عهد الملكية، أو بتلك التي زجت بفؤاد سراج الدين وإبراهيم فرج بتهمة التآمر مع الإنجليز، ثم الإفراج عنهما بعد ثلاث سنوات. والدليل على أن محكمة السادات كانت صورية ولمجرد التخلص من خصومه أنه أفرج عن كثير من المتهمين بعد فترات بسيطة».

ومن تحليلي لسلوكيات وأفعال السادات، توصلت إلى أنه شخصية غريبة الأطوار تدعو إلى الحيرة والدهشة. فأحيانًا يغضَب من تصرف أو رأي ويعاقب صاحبه، ثم لا يلبث أن يقوم هو بنفس التصرف.

أما حسني مبارك فقد قال عنه: «نجح فيما لم ينجح فيه الزعماء الأفذاذ الذين سبقوه، حيث سار بالكوكب في الفلَك المُناسب، وحافظ على المسافة بينه وبين الشمس، وربما يكون ذلك راجعًا إلى بساطته وقربه من المواطن المصري، وإحساسه بمشاكله ومطالبه، كما أن الرئيس مبارك قد نجا تمامًا من مرض جنون العظمة».

إعلامي مصري

@samykamaleldeen