اقتصاديات …. هل ستنجح اقتصاديًا ؟
لا شك أن اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي الممتدة من الكويت شمالًا وحتى عمان جنوبًا على مساحة 2.575 مليون كم مربع، وبتَعداد بشري قُدّر في 2023، تقريبًا، ب 59.8 مليون نسمة، قد حققت إنجازات كبيرة في مجالات التطوير والتنمية الاقتصادية والاجتماعية على مدى أكثر من خمسة عقود (وتحديدًا منذ خريف 1973، حين بدأ تحرير أسعار النفط من قبضة شركات النفط العالمية المعروفة باسم «الأخوات السبع» وسيطرتها على سوق النفط)، وتلك الخطوات الجبارة في عمر الشعوب ربما لم تخطوها دول نفطية مماثلة في دول العالم النامي. لكن حاليًا بدأت دول المنظومة الخليجية تواجه تحديات غير مسبوقة، وذلك بفعل التطورات المتلاحقة على كافة المستويات التكنولوجية والبنيوية والجيوسياسية، وكذلك إرهاصات العلاقات الدولية والإقليمية والمحلية، وتحولات السوق العالمية وزيادة الطلب على مصادر الطاقة البديلة النظيفة والمتجددة، ونمو الاقتصاد المعرفي تدريجيًا على حساب الاقتصاد الأحفوري.
إن أي انخفاض في أسعار النفط يؤثر سلبًا على الاقتصادات الخليجية الريعية وعلى ميزانياتها الحكومية من إنفاق عام واستثمار ومشتريات حكومية ومخصصات لمشاريع رأسمالية ونفقات جارية وغيرها. إن أسعار النفط تتأثر بمستوى الطلب العالمي وسياسات إنتاج وتسويق نفط «أوبك +» والتوترات الجيوسياسية، ودرجة التحول نحو بدائل الطاقة النظيفة المتجددة عوضًا عن الوقود الأحفوري، ويمثل ذلك تحديًا طويل الأجل لدول الخليج. وفي الوقت ذاته، ما زالت هناك تحديات لتوفير فرص العمل للمواطنين في القطاعين الخاص والحكومي، مصحوبة بغياب المهارات الفنية وانخفاض الإنتاجية في قطاعات حكومية عديدة، ما يتطلب تنويعًا اقتصاديًا بالطبع، من قِبل الحكومات المعنية، إلا أن عملية التنويع الاقتصادي بحد ذاتها تتطلب وقتًا وجهدًا واستثمارات ضخمة ومهارات فنية وقدرات إدارية نوعية في أكثر القطاعات الجديدة المقترحة، كالتكنولوجيا والسياحة والخِدمات المالية والفندقية والمصرفية وفروعها.
قد تواجه أسعار النفط ضغوطًا متزايدة في المستقبل القريب، نتيجة تضافر عوامل سلبية عديدة مثل انخفاض الطلب الصيني على نفط المنظومة الخليجية، حيث إن الصين الشريك التجاري الرئيسي لدول مجلس التعاون في صادراتها النفطية، إضافة إلى التباطؤ الاقتصادي العالمي والسياسات البيئية الصارمة، وعدم التزام «أوبك+ » بحصصها المقررة، ناهيك عن الاضطرابات الجيوسياسية وغيرها. وبفعل تلك العوامل فإنه يرجح أن تبقى أسعار النفط متقلبة أو متأرجحة بين 55-65 $ للبرميل مع احتمالية تواجد فترات انخفاض بين الحين والآخر، خاصة إذا استمر الطلب الصيني على النفط في الانحسار بصورة أكبر وبمعدل أسرع. وهذا وارد وغير بعيد، لأن الصين قد قطعت شوطًا كبيرًا في استغلال المصادر النظيفة للطاقة المتوافرة لديها من الطاقة (النووية، والكهرومائية، والشمسية). كما بدأت بالتوسع في إنتاج السيارات الكهربائية والهجينة (فمثلًا 40% من سيارات النقل الصينية حاليًا لم تعد تستخدم الوقود الهيدروكربوني)، كما أنشأ الصينيون محطات ضخمة عديدة للطاقة الشمسية وبدائل الطاقة المتجددة النظيفة، لاستخدامها على نطاق واسع داخل الصين مرحليًا، وربما التصدير منها للخارج مستقبلًا. ولذلك، فإن الدول الخليجية، حتى تعوض الفِقدان المتوقع من حجم عائداتها النفطية من الصين وجنوب شرق آسيا وربما من أسواق تصديرية أخرى في المستقبل القريب والبعيد، فقد بدأت تأخذ إجراءاتها الاحترازية، للحفاظ على سلامة موازناتها الحكومية وقوائمها المالية ومصروفاتها الرأسمالية والتشغيلية ومعدلات استهلاكها ومستوى معيشتها، وبدأت مؤخرًا بالتوجه إلى تمويل الموازنات من خلال: التنويع الاقتصادي، والتوسع في الاستثمارات الخارجية عبر صناديقها السيادية، والاقتراض العام الداخلي والخارجي، ثم فرض ضريبة القيمة المضافة، حيث بدأها البعض، والبعض الآخر في الطريق لتنفيذها، وأخيرًا التوجه لزيادةٍ تدريجيةٍ على الرسوم والخِدمات المحلية.
هذه إجراءات مشروعة تقوم بها كل دول العالم، عند مواجهتها نقص الموارد ومعالجة أزماتها الاقتصادية الهيكلية المتواصلة.
تُرى هل ستنجح المنظومة الخليجية في مساعيها الاقتصادية «الحميدة».؟ نعم، نتمنّى ذلك.
خبير اقتصادي