فيض الخاطر.. هل تختفي الصحف الورقية ؟
هذا السؤالُ يترددُ كثيرًا في أذهان المُثقفين، والعاملين في صناعة الصحافة، وهم يرون عروش بعض المؤسسات الصحفية الكبرى تنهار، واحدة تلو الأخرى، مكتفية بإصدار نسختها الإلكترونية التي توفر عليها تكاليف كثيرة، تشمل التوزيع، والكوادر الفنية والإدارية، وشبكة المحررين والمراسلين في الداخل والخارج، وآلات الطباعة الضخمة ذات التكلفة المالية العالية، إضافة لتوفير الوقت بالنسبة للقراء الذين أصبحوا يحصلون على نسخهم الإلكترونية من صحفهم المفضلة، بمجرد ضغطة إصبع على محرك البحث، للحصول على أي صحيفةٍ إلكترونيةٍ تصدر في أي مكانٍ في العالم، وبأي لغةٍ يتقنها الباحثُ عن المعرفة، حيث أصبح الحصول على المعلومات سهلًا ومتوفرًا للجميع، وبأقل مجهود يُبذل في هذا السبيل، وإذا كان الباحث في السنوات الماضية يبذل جهدًا كبيرًا ووقتًا طويلًا للحصول على المعلومة، فقد أصبح ذلك كله من ذكريات الماضي، حيث يمكنه الحصول على تلك المعلومة في وقت قياسي وبأقل جهد، وفي أي مكانٍ يكون، وبعد أن كان يسعى للحصول على تلك المعلومة فقد أصبحت بين يديه، في هاتفه الجوال الذي يرافقه ليل نهار.
بعض الصحف الورقية اضطر لإصدار نسخةٍ إلكترونيةٍ، بينما تحول بعضها إلى الفضاء الإلكتروني بعد إيقاف النسخة الورقية، وحسب الباحث الأمريكي «مارك ديوز» في دراسةٍ عن تاريخ الصحافة الإلكترونية، فإن أول صحيفةٍ في الولايات المتحدة الأمريكية دشنت نسخة إلكترونية لها على الإنترنت كانت «شيكاغو تريبيون» عام 1992، وفي العام التالي 1993 صدرت صحيفة «سان جوزيه ميركوري نيوز» لتكون في مقدمة الصحف التي بدأت إلكترونية.
ما ينطبق على الصحفِ ينطبق أيضًا على الكتاب الورقي الذي اهتزت مكانته، وتراجعت هيبته أمام شبحٍ جديدٍ اسمه الكتاب الإلكتروني، وإن كان الكتاب الورقي ما زال، وإلى حد ما، يحظى باهتمام فئةٍ من الناس بحكم العادة، التي لن تكونَ موجودةً بالنسبة للأجيال الجديدة، وما زال الكتاب الإلكتروني يترصد الكتابَ الورقي ويتحيّن الفرصَ كلما أتيح له ذلك للنيل من مكانته والقضاء عليه، عاجلًا أو آجلًا، والصحف والكتب ليست استثناءً في هذا المجال، بل كل وسائل المعرفة المتاحة هي ليست بمأمنٍ من هذا الزحف الهائل للتقدم التقني المتسلل لحياة الناس الخاصة والعامة، بشكل أعمق وأوسع، ما يفتح آفاقًا جديدةً لصناعة الرأي العام والسيطرة على أذهان الناس بما يُسمّى «القوة الناعمة» التي تصنع الثقافة الجديدة وَفق مفاهيم، يقتضي التعامل معها اتخاذ الكثير من الحيطة والحذر، وعندما نتحدث عن الصحافة، فهذا يعني الإعلام بصفة عامة، الذي استفاد من تقنيات العصر للوصول للمتلقي بسهولةٍ ويُسرٍ، لتساعده على أداء رسالته الإعلامية، في عالمٍ موبوءٍ بأمراض العصر، ليست الجسدية فقط، بل الفكرية والثقافية والسياسية والعلمية، التي أزاحت الكثير من القناعات التقليدية ليحلَّ محلها ما هو جديد بخيره وشره.