زيادة العلم بتقوى الله
بقلم/ د. سلطان عوض دريع:
بمناسبة العام الدراسي الجديد أهنئ السادة والسيدات مديري المدارس، والمدرسين جميعًا، كما أهنئ أبناءنا الطلبة وبناتنا الطالبات بدخولهم سنة جديدة، وأوصي الجميع لمن أراد أن تتفح بصيرته بتقوى الله تعالى، فإنها مفتاح البصر والبصيرة، وتنير الطريق أمامه ليميز بين الحق والباطل، وبين ما هو صحيح وخطأ، وبين طريق الرشد والإغواء، وهاك قول الأئمة في تفسير آخر آية الدَّيْن من سورة البقرة: حيث يقول عز وجل: (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)، قال الإمام القرطبي رحمه الله: وَعْدٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّ مَنِ اتَّقَاهُ عَلَّمَهُ، أَيْ يَجْعَلُ فِي قَلْبِهِ نُورًا يَفْهَمُ بِهِ مَا يُلْقَى إِلَيْهِ، وَقَدْ يَجْعَلُ اللَّهُ فِي قَلْبِهِ ابْتِدَاءً فُرْقَانًا، أَيْ فَيْصَلًا يَفْصِلُ بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).وهذا كقوله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
وقال القاضي العليمي رحمه الله: كرر لفظ الله في الجمل الثلاث لاستقلالها، فإن الأولى حثٌّ على التقوى، والثانية وعدٌ بإنعامه، والثالثة تعظيم لشأنه. وقال الإمام البقاعي رحمه الله: وختم آيات هذه المعاملات بصفة العلم بعد الأمر بالتقوى في غاية المُناسبة لما يفعله المتعاملون من الحيل التي يجتلب كل منهم بها الحظ لنفسه، والترغيب في امتثال ما أمرهم به في هذه الجمل بأنه من علمه وتعليمه، فقال عز وجل -عاطفًا على ما تقدم من أمر ونهي، أو على ما تقديره: فافعلوا ما أمرتم به وانتهوا عما نهيتم عنه: (وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ) أي خافوا الذي له العظمة كلها فيما أمركم به ونهاكم من هذا وغيره. ولما كان التقدير استئنافًا لبيان فخامة هذه التنبيهات يرشدكم الله إلى مثل هذه المراشد لإصلاح ذات بينكم، عطف عليه قوله: (وَيُعَلِّمُكُمُ ٱللَّهُ) أي يدريكم الذي له الكمال كله بذلك على العلم. وقال الحرالي: وفي قوله: (يُعلِّم) بصيغة الدوام إيذانٌ بما يستمر به التعليم من دون هذا المنال. وأظهر الاسم الشريف هنا وفي الذي بعده تعظيمًا للمقام وتعميمًا للتعليم فقال: (والله) أي الذي له الإحاطة الكاملة (بكل شيءٍ عليم)، وهذا الختم جامع لبشرى التعليم ونذارة التهديد. فبالعلم تدوم النعم والأمن، ونسأل أن يحفظ بلدنا قطر وسائر الأوطان الإسلامية من الحوادث والكوارث ويديم فيها الأمن والأمان.