المنتدى

موسى زينل… لك الرحمة والمغفرة

بقلم /بابكر عيسى أحمد

 

ترجَّلَ الفارسً عن جواده، وظلت تلك الضحكة المتوهجة تضيء عتمة الليالي، بعد أن فقدَ الراحلُ موسى زينل نعمة البصر، ولكن ظلت بصيرته مُتَّقِدة. بكل الحب والاحترام كان يستقبل زوَّاره وهو على فراش المرض. كان لي شرف زيارته في داره العامرة مع شلة من الإخوة السودانيين المُقيمين في قطر. كنا نريدُ أن نراه ونصافحه، وأن نشكره على كل ما قدمه في مختلف المواقع الرسمية التي تبوَّأها لأشقائه السودانيين، وفي مقدمتهم المبدع الراحل الفنان مصطفى سيد أحمد.
«أبو خلود» لم يكن إنسانًا عاديًا، كان يتوهَّج محبة للآخرين، وهو إلى جانب عشقه للمسرح وإسهامه الكبير في المجالات الثقافية المُختلفة يفتح قلبه وساعديه لمساعدة الآخرين والترحيب بهم، يعتبر رحيل الأستاذ موسى زينل -بكل المقاييس- بطعم العلقم ولكنها إرادة الله، ولقد فقدتهُ قطرُ التي أحبَّها وحملها في حَدَقات عيونِه، كما كان عروبيًا وعاشقًا لأمته، مُتفاعلًا مع أحلامها وطموحاتها، وحزينًا على انكساراتها وتراجعها عن مصاف الدول التي ظلت تسابق الزمن وتحقق الإنجاز تلو الإنجاز فيما تحوَّلنا إلى سوق استهلاكية كبيرة.
عشقُ الراحل موسى زينل للمسرح بدأ مبكرًا منذ المرحلة الابتدائية، كما كان من رواد الحركة الكشفية في دولة قطر وشارك في معسكرات كشفية داخل وخارج قطر، كما كانت له وقفات مشهودة على خشبة المسرح خلال دراسته بدار العلوم بجامعة القاهرة، ولعب أدوارًا باهرة في مسرحيات تاجر البندقية والسلطان الجائر وثورة الموتى وغيرها من الأعمال.
أذكر أنه في الرابع من نوفمبر عام 1994 أجرى حوارًا على صفحات [ مع الزميلين: الراحل حسن توفيق، والعزب الطيب الطاهر، تحت عنوان «الوجه الآخر» وبعفويته المعهودة قال لهما في بداية الحوار: «لا أرى ثمة وجه آخر لي، فوظيفتي تنسجم تمامًا مع مجمل اهتماماتي وهواياتي منذ زمن الطفولة، لا يمكنكما الفصل بينَ ما تحاولان التعرف عليه من أبعاد لما تسمونه وجهي الآخر، وبينَ ما أؤديه من مهام ومسؤوليات، كلاهما يصب في منحى واحد هو «موسى زينل» وأضاف أشعر بأنني أسعد البشر بهذه الوظيفة التي لم تخلق مسافة بين ما أمارسه من هوايات واهتمامات حياتية، والتي توافقت مع حلمي الأول بعد التخرج في أن انضم لقطاع الإعلام والثقافة الأمر الذي جعلني أتعامل مع هذه الوظيفة بدرجة عالية من العشق والمتعة».
الراحل موسى زينل -تغشاه الرحمه- ترك بصمات لا تُمحى في أي موقع تبوَّأه وفي أي طريق عبره، فقد كان مثل النسمة الطيبة والطيب الفوَّاح أصالة واعتزازًا ببلده وأهله وأصدقائه ووطنه الكبير الذي تجوَّل في ربوعه وكان له صولات وجولات هنا وهناك، من سلطنة عمان إلى المغرب العربي، فيما ظلت القاهرة بكل سنوات الدراسة والعطاء والإبداع في سويداء قلبه.
الموتى لا يستشعرون قسوة الفراق وإنما هم الأحياء الذين يوجعهم الرحيل ويُشقيهم الموت وتجلى حب الناس للراحل موسى زينل في تلك الحشود التي تداعت إلى مقابر مسيمير وفي مجلس العزاء بمنطقة الثمامة… هذه الحشود تعكس مدى محبة الناس كل الناس لذلك الإنسان الرائع والجميل، الذي يضيء وجهُه بالابتسام.
كان الراحل الأديب الطيب صالح يقول عن رفيق مشواره في إدارة الثقافة إن «موسى زينل يعطيك إحساسًا بأنك تعرفُهُ منذ زمن بعيد، وأن بينكَ وبينه أُلفة مُمتدة في الزمان والمكان» وقد كان «أبو خلود» بحق إنسانًا فريدًا في كل شيء، ومبدعًا حد الثمالة وطيِّبًا، ومخلصًا حد الإخلاص.
أنا على ثقة أن كثيرين سيفتقدون الراحل زينل، ولكننا استودعناه لدى رب كريم لا تضيعُ ودائعُه، والعزاء لكل من عرف الراحل وأحبه، وأخص بالذكر أشقاء الفقيد إسماعيل وإبراهيم ومحمد ويوسف وعلي، وسعادة حمد بن عبدالعزيز الكواري، والأخ الصديق مبارك جهام الكواري وأبناءه الأعزاء، والأخت العزيزة خلود.
هكذا هي الحياة، تبدأ بالميلاد وتنتهي بالموت، وسنرحل جميعًا ولن يبقى منا سوى الذكرى الطيبة والسيرة الرحيمة والعطاء الذي بذلناه في الدروب، وخير الراحلين من ترك إرثًا طيبًا يبقى له مِشعلًا في قادمات أيامه ويرثه أبناؤه وأحفاده، أو قلادة يعلقها الوطن في أعناق أبنائه النجباء.
رحيل موسى زينل كان بطعم المر ولكنها إرادة الله، والدائم هو الله جلت قدرتُه، وكلنا فانون وراحلون إلى دار رحيمة، بجوار المصطفى عليه الصلاة والسلام، ونسألُ اللهَ الرحمة والمغفرة لعزيزنا الغالي موسى زينل، ولا نملك إلا أن نقول «للهِ ما أعطى وللهِ ما أخذ» وليرحمك اللهُ يا أبا خلود لك الرحمة والغفران، وإنَّا لله وإنا إليه راجعون ولا نقول إلا ما يُرضي ربنا جلَّت قدرتُه.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X