كتاب الراية

دنيا .. المثقف من التوهج إلى الذبول ( 1 / 4 )

هل المثقفُ حالةٌ من الثبات أم حالة من السيولة، يُطرح المبدأ كصفة للمثقف، ويوصم أحيانًا بالزئبقية، ينفي البعض صفة الثقافة عما يُسمى بالمثقف الزئبقي، فمن هو المثقف في مجتمعنا وما أنماط وجوده؟ التغيُّر والثبات ثنائية قديمة قال بها فلاسفة ماقبل سقراط وعلى وجه الخصوص بارمنيدس، الذي قال بالثبات في حين قال هيراقليطس بالتغير المُستمر وأنك لاتنزل النهر الواحد مرتين، وسواء كان العالم بين ثبات يتضمن في داخله تغيرًا لايزيد عليه، أم بين صيرورة تغيُّر لاتنتهي حتى تبدأ، فإن جميع المجتمعات عبر التاريخ عرضة لهذا التغير المُستمر والتحول الدائم، بودي هنا أن أشير إلى ملامح التغير الثقافي الذي شهده مجتمعُنا القطري خلال العقود الماضية من خلال أنماط المثقف في كل مرحلة لذلك سأقوم بتقسيم التاريخ الحديث إلى ثلاث مراحل حتى يَسهل علينا الاختصار والتكثيف كذلك، فالمرحلة الأولى في اعتقادي مرحلة المجتمع التقليدي وتبدأ ربما من منتصف الثلاثينيات من القرن المنصرم، حتى مرحلة نهاية الستينيات، والمرحلة الثانية وهي من بداية السبعينيات حتى منتصف التسعينيات، وهي مرحلة شرطها المعرفي كان العلم، أو العلم كمشروع إنقاذ وانتشال لمجتمع لديه طموح. أما المرحلة الثالثة التي بدأت من منتصف التسعينيات حتى الآن فهي مرحلة دخول عصر التقنية، وكل مرحلة من هذه المراحل أنتجت نمطًا من المثقف يتلاءم وطبيعتها وثقافتها، وربما المرحلة الأخيرة التي هي مرحلة التقنية أو التكنولوجيا يشترك فيها معظم المجتمعات خاصة النامية منها. نأتي أولًا لمرحلة المجتمع التقليدي الذي كان سائدًا قبل استقلال الدولة في بداية السبعينيات من القرن المنصرم، كانت طبيعة العلاقات في تلك الفترة تقوم على التضامن الآلي حيث التشابة كان سمة الشرط المعرفي لتلك الفترة وكان مستوى تلك العلاقات أفقيًا إلى حد كبير نتيجة لهذا التضامن الذي يجعل الجميع في حاجة الجميع، وكانت الفرجان ممتدة كذلك أفقيًا والفريج بأكمله يحكي سردية واحدة للجميع، وبرز في الفترة نمط المثقف العضوي بالمفهوم الاجتماعي بالذات، حيث كان في كل منطقة من مناطق الدولة شخص أو أكثر ينتمي إليها، وتجده أو تجدهم يطالبون عن البقية بحقوق هذه المنطقة الاجتماعية من مواصلاات وهاتف وخدمات بريدية وكهرباء، اتصالًا بالدولة ومكاتبها الموجودة أساسًا في الدوحة العاصمة، وقد شهدت شخصيًا العديد من هذه الشخصيات في تلك الفترة وهم يمارسون دور المثقف العضوي المنتمي لطبقته أو قريته حاملًا هموم أبنائها ناشرًا وعيًا متبادلًا بين حقوقهم وواجباتهم.
يتبع…

 

[email protected]
@A_AzizAlkhater

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X